تقارير

ظاهرة البيبست : كيف قسم نتنياهو المجتمع والسياسة الإسرائيلية

بواسطة
تحميل نسخة PDF

يعتبر بينيامين نتنياهو -الذي شغل رئاسة الوزراء في إسرائيل لاثني عشر عاما- من أكثر السياسيين إثارة للجدل في إسرائيل. وتوصف الانتخابات الأخيرة في إسرائيل بأنها كانت استفتاء لشعبية نتنياهو، والذي صار رمزا لانقسام المعسكرات السياسية الاسرائيلية، حيث تغير التقسيم التقليدي من (يمين و يسار) إلى (مؤيدي نتنياهو ومعارضيه). وبهذا صارت الانتخابات السابقة منافسة بين تكتل نتنياهو والتكتل المنافس له، وانعكس هذا التقسيم حتى بتوجهات الرأي العام الإسرائيلي. فهناك من يعتبر نتنياهو “ضامنا” للأمن الوطني الإسرائيلي، بينما يرى الطرف الآخر نتنياهو تهديدا مباشر للديمقراطية في إسرائيل. وتعتبر المحاكمة بتهم الفساد ضد نتنياهو -وهو أول رئيس وزراء تقام عليه دعوات قضائية أثناء توليه منصبه- من القضايا الأساسية في تاريخ نتنياهو السياسي، وقد استقتل نتنياهو للحفاظ على منصبه بما اعتبره البعض محاولة لاستغلال الحصانة التي الممنوحة له تجاه التهم الموجهة ضده. وقد كان إقصاء نتنياهو من الحكومة هدفا وحّد منافسيه ضده (رغم اختلافاتهم الجوهرية) والذين نجحوا بنقله إلى معسكر المعارضة، ورغم ذلك مازال نتنياهو يتطلع للعودة لرئاسة الوزراء وفقا لخطابه بعد تشكيل الحكومة الجديدة، حيث يستند إلى شخصيته القيادية التي خطت خطوات مهمة خلال حكمه الطويل بالعقد الماضي، ومازال يحظى بدعم غير مشروط من جزء هام من المجتمع الإسرائيلي. 

معظم اتباع نتنياهو هم من معسكر اليمين واليهود المتدينين. ويصفه مؤيدوه بأنه “قائد” وإسرائيل أقوى بوجوده، ولا يبالون بالدعاوى القضائية ضده، وهؤلاء يحتفون بإعلان القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، والذي تم خلال إدارة نتنياهو، بالإضافة للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، فضلا عن انجازات نتنياهو الدبلوماسية التي عززت موقع إسرائيل بوسطها العربي من خلال توقيع اتفاقيات ابراهام مع دول خليجية، ونجاح سياسته لمجابهة جائحة كورونا وتطعيم النسبة العظمى من السكان في إسرائيل خلال وقت قصير، وكل هذه النجاحات تلقى تقديرا من مؤيديه الذي يطلقون عليه لقب “بيبي”. وتظهر الاستطلاعات خيبة أمل مؤيدي نتنياهو بخسارته لمنصبه لصالح منافسيه، وهو يسبب لهم قلقا بخصوص “أمن” إسرائيل، فأحد مواطني إسرائيل تساءل “من يحمينا من إيران وحماس؟” بينما رفض مواطن آخر خسارة ثلاثين مقعد من الليكود واعتبر الانتخابات غير ديمقراطية، متسائلا عمن يستطيع شغل الفراغ الذي تركه نتنياهو بكل خبرته، بحسب تعبيره واسترساله بالتأييد لنتنياهو هو وآخرين، وهو ما يظهر أن مؤيدي نتنياهو يتطلعون لعودته لرئاسة الوزراء في إسرائيل عما قريب.

ويطلق على مؤيدي نتنياهو المتعصبين لقب “بيبست” نسبة إلى لقب نتنياهو “بيبي”، وصاروا يمثلون تيارا ايديولوجيا يطلق عليه “البيبية”، وبحسب استاذ علم الاجتماع سامي سموخه في جامعة حيفا، يروج هذا التيار لتعزيز الهوية “اليهودية” على حساب الهوية “الإسرائيلية” دون النظر لعواقب ذلك على النظام الديمقراطي الاسرائيلي بحسب قوله، وقد نجح نتنياهو بترسيخ هذه الفكرة خلال فترة حكمه وتعزيز فكرة يهودية المواطن قبل هويته الاسرائيلية، خصوصا داخل حزب الليكود.

ومن أبرز مؤيدي نتنياهو التيار الذي يسمى بالـ “الخريديين” وهم يتبنون أيديولوجيا تعتبر قيام دولة إسرائيل مجرد مرحلة وخطوة نحو ما يسمونه بـ “العصر المسيحي”، وهم يحاولون استغلال الدولة الاسرائيلية لتحقيق هذا الهدف من خلال تعزيز الصبغة اليهودية في مؤسسات الدولة، وقد منح نتنياهو الأحزاب الخريدية امتيازات وتنازلات لضمان دعمهم لتحالفه، وبما مكنهم سياسيا بما يتجاوز قاعدتهم الجماهيرية المحدودة رأسا.

ويبدوا أن الخريديين سيخسرون بعض الامتيازات بسبب تركيبة الحكومة الإسرائيلية الجديدة رغم أن نفتالي بينت رئيس الوزراء الجديد أقرب للمتدينين وأكثر تدينا حتى من نتنياهو. ووجود شخصيات مثل ليبرمان المعروف بعداوته للخريديين على رأس وزارة الاقتصاد سيحرمهم من تمويل مهم للبنى التحتية في مستوطنات الضفة الغربية. ومثل ذلك ينطبق على شخصيات يسارية بالحكومة مثل وزير النقل.

إضافة لذلك بدأ نقاش بين المجتمعين المتدين والعلماني في إسرائيل حول مواضيع خلافية  مثل تشغيل وسائل النقل العام أيام السبت والزواج المدني، في سياق زيادة معارضة فئة الخريديين للحكومة الجديدة. ويقول النائب بالكنيست ميكائيل ماليكالي من حزب شاس اليميني أن تقليل الميزانيات أو تغيير المناصب ليست السبب الرئيسي لقلقنا من الحكومة الجديدة بل التطورات المستحدثة مثل فتح النقاش حول تشغيل وسائل النقل في أيام السبت.  

لكن على الطرف الآخر، مازال الطرف المعارض لنتنياهو يحمل زخما ضخما، حتى بأوج الإغلاقات خلال جائحة كورونا، وهم يحملون المسؤولية عن توتر الأوضاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وينتقدون سياساته العنصرية تجاه الفلسطينيين الذين يسمون بـ “عرب الداخل”، فضلا عن تقديم مصالحه الشخصية على مصالح الدولة، ووصل الأمر بأن وصفه أحد المتظاهرين أمام مسكين نتنياهو بأن “وجوده خطر على إسرائيل”. لذا يمكن اعتبار الانتخابات الاخيرة بمثابة استفتاء حول هو إسرائيل كدولة يهودية أو دولة ديمقراطية. واعتبر معارضو نتنياهو خسارته للانتخابات نهاية لكابوس استمر لسنوات.  

ويظل نتنياهو شخصية مثيرة للجدل تحظى بدعم معتبر شعبيا وذات ثقل وخبرة سياسية قد تجعل من عودته لرئاسة الوزراء احتمالا واردا جدا بالمستقبل. لاسيما مع عزمه البقاء في المشهد لإعاقة مشروع خصومه والتأثير على أداء الحكومة الإسرائيلية الجديدة.

مركز الأناضول لدراسات الشرق الأدنى

مركز الأناضول لدراسات الشرق الأدنى

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: