خارطة المصالح الدولية في سوريا

حسن الشاغل
مقدمة
تضع الدول الكبرى سياساتها وفقاً لمصالحها الوطنية وأمنها القومي ، وهي تبعاً لذلك تتدخل بالدول الأقل قوة (بدرجة ما تتدرج وصولا إلى حد الغزو أو السيطرة العسكرية على الدول الأضعف) تبعا للموارد الطبيعية والمقومات الجغرافية والاقتصادية والاستراتيجية لتلك الدول.
وبهذا السياق ، فإن عوامل الجغرافيا السياسية هي الحافز الأساسي للتدخل الدولي في سوريا ، والتي تشهد خارطتها الكثير من التغيرات تبعا لمصالح الأطراف الدولية ، كل بما يتناسب مع أهدافه ومصالحه القومية.
ونناقش في هذه الدراسة العوامل الجغرافيا السياسية التي بنيت عليها مصالح الأطراف الدولية المتدخلة بسوريا، وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية ، روسيا ، إيران وتركيا .
الأهمية الجغرافية لسوريا في الخارطة الدولية
تقع سوريا على الطرف الشرقي من البحر الأبيض المتوسط الذي يعد منفذاً بحرياً مهماً إلى دول العالم وخاصة الأوروبية؛ والذي منحها الأهمية الجغرافي في الخارطة الدولية ، و جعلها مطمع للدول الكبرى عبر العصور .
كما أن الساحل السوري على شرق المتوسط قريب جغرافياً من قناة السويس التي تعتبر ممراً مائياً مهماً للملاحة الدولية، فضلاً عن ذلك: يشترك الشمال السوري بحدود طويلة مع تركيا التي تعتبر المنفذ البري إلى القارة الأوروبية ، بالإضافة تشكل سوريا ممراً تجارياً حيوياً بين تركيا ودول الخليج العربي ، كما يحدها من الشرق العراق ، ومن الجنوب الأردن والسعودية ، وهذا جعل من الجغرافيا السورية ممراً بحرياً وبرياً حيوياً بين الدول المنتجة والمستهلكة لموارد الطاقة ، وتحديدا البترول والغاز.
الموارد الطبيعية السورية
تتميز سوريا بتنوع مواردها الطبيعية على قلتها، فهي تحتل المرتبة 27 عالمياً في انتاج النفط، إذ يبلغ احتياطيها من البترول حوالي 2.5 مليار برميل تقريباً، وبلغ الإنتاج اليومي قبل الثورة 400 ألف برميل يوميا، وهو يشكل 0،18 من الإنتاج العالمي المقدر بحوالي 88 – 90 مليون برميل يومياً. وتتركز آبار النفط في مناطق؛ الحسكة ودير الزور. وفيما يتعلق باحتياطيات الغاز في شرق المتوسط وحسب المسح الجيولوجي الأمريكي عام 2010، الى أن أغلب الاحتياطيات تتركز في المناطق الاقتصادية الخالصة لدول؛ مصر، اليونان، جزيرة قبرص الشمالية والجنوبية، وفلسطين المحتلة.
وبحسب المسح لا يوجد إلا كميات قليلة من الغاز بالقرب من السواحل السورية.
أما بالنسبة للموارد الطبيعية الأخرى فيوجد الفوسفات بكميات جيدة وتحتل سوريا المرتبة التاسعة عالمياً في إنتاجه، ويتركز الإنتاج في محافظة حمص، ويقدر بحوالي 2.6 مليون طن يصدر معظمه.
دوافع الدول الجيوبولتيكية للتدخل في الصراع
تدخلت أطراف الصراع المختلفة في الأزمة السورية (بعد تدويله) نتيجة دوافع جغرافية وسياسية واقتصادية مركبة، حيث لكل طرف من الأطراف المتصارعة رؤيته ومصالحه التي يسعى لتحقيقها من خلال محاولة تحقيق انتصار على الأرض، والسيطرة على مساحات من الجغرافيا السورية، أو تحقيق الهيمنة على القرار السياسي الذي يتحكم بهذه المساحة.
وعند تحليل دوافع هذه الدول وفق القواعد الجيوسياسية (الجيوبولتيك)، تتضح لنا دوافع كل دولة ومحدداتها كالتالي.
1- روسيا
في عام 1971 وأثناء الحرب الباردة، وقّعت حكومة الاتحاد السوفياتي مع الحكومة السورية اتفاقية لبناء قاعدة عسكرية في مدينة طرطوس السورية، لتكون نقطة تمويل للأسطول السوفيتي في البحر الأبيض المتوسط، ومع سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991 تركت القوات الروسية القاعدة العسكرية، لكنها سرعان ما عادت إليها في عهد الرئيس بوتين، بعد اتفاق مع الحكومة السورية، شمل إعادة التموضع ، وتطوير القاعدة العسكرية .
وبتاريخ 30 أيلول/ سبتمبر 2015 بدأت رسمياً القوات الروسية التدخل عسكرياً في سوريا إلى جانب النظام، مبررة ذلك بضرب التنظيمات التي تزعم أنها “إرهابية”.
وفي 22 نيسان/ إبريل 2019، أعلنت الحكومة السورية عن تأجير ميناء طرطوس للحكومة الروسية لـ 49 عام، و الذي يعتبر من أكبر موانئ سوريا، حيث يشغل مساحة 3 مليون م، منها 1.2 مليون م² مساحة الأحواض المائية، و1.8 مليون م² مساحة الساحات والمستودعات والأرصفة .
المحددات الروسية للسيطرة في سوريا
في عام 2008 شنت روسيا حرباً ضد جورجيا مبررة ذلك بحماية أقليات روسية فيها، ولكن الحقيقة أن هذه الحرب كانت من أجل منع تمديد خط “نابوكو” للغاز الذي يمتد من بحر قزوين الى أوروبا مروراً بـ(أذربيجان ، جورجيا ، تركيا)، وفي ذات السياق يرى مراقبون أن أحد أسباب التدخل موسكو في سوريا هو منع مشاريع خطوط أنابيب تمتد من دول الخليج العربي عبر سوريا إلى تركيا ومنها إلى أوروبا.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 وانضمام كلاً من دول (ليتوانيا، إستونيا، لاتيفيا وأوكرانيا) إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ودخول القوات الأمريكية إلى أفغانستان والعراق، وتثبيت انظمة الدفاع الجوي التابعة للناتو على الحدود الروسية، هذا الأمر جعل روسيا دولة شبه محاصرة من قوات “الناتو”.
أما المحدد الجيوسياسي الذي دفع موسكو للتدخل؛ فيتطلب فهم الطبيعة الجغرافية الروسية، حيث تبلغ مساحتها 17,075,200 كم، وهي أكبر دولة في العالم، وتمتد أراضيها بين القارتين الآسيوية والأوروبية، وكما هو موضح في الخريطة ، رغم أنها دولة مترامية الأطراف لكنها تعاني من خلل بنيوي في موقعها الجغرافي، حيث تكاد تكون دولة شبه مغلقة، من الشمال يحدها المحيط المتجمد الشمالي والذي لا يمكن بناء الموانئ البحرية عليه، ومن الشرق هناك منفذ وحيد على بحر اليابان، ومن الغرب بحر البلطيق الذي تشرف عليه دول (إستونيا، لاتفيا و ليتوانيا)، ومضيق أوريسند الذي تتحكم به الدنمارك، جملة هذه العوامل تمثل عائقاً لوصول موسكو إلى المحيط الأطلنطي، ومن الجنوب البحر الأسود وهو حوض مائي مغلق، لهُ ممر وحيد عبر مضيق البوسفور تتحكم به تركيا. كما هو موضح في الخريطة رقم (١) التالية :
الخريطة رقم (١): طبيعة الجغرافية الروسية المغلقة
وكانت روسيا تعتمد سابقاً على قاعدة سيفاستوبول(Sevastopol) البحرية في جزيرة “القرم” التي كانت تحت حكم أوكرانيا، وكانت روسيا تستخدمها بعقد اجار ضمن اتفاقية تأجيرها من أوكرانيا، لكن سرعان ما اقدمت على احتلال جزيرة القرم عام 2014، كونها من أكثر القواعد البحرية من حيث الإمكانات والقدرات، سيما بعد اكتشاف كميات من الغاز والبترول قبالة سواحلها، الاحتلال الروسي عقب الإطاحة بالحكومة الموالية لها فيها.
بناء على ما تقدم فإن روسيا بحاجة ماسة لمنفذ بحري على البحر المتوسط ، ومن ثم فإن سيطرة الروس على الموانئ الروسية سيمنحهم قدرة على السيطرة والتمدد والتمدد في البحر المتوسط، وتاريخياً من يسيطر على المتوسط يؤثر على الدول الأوروبية التي يشكل البحر الجبهة الجنوبية من حدودها، ما يعطي موسكو قدرة في مراوغة حلف “الناتو”، ويسهل وصول قواتها الى المحيط الأطلسي.
2-الولايات المتحدة الأمريكية
بدأ التدخل الأمريكي المباشر في سوريا بــ 10 أيلول/ سبتمبر 2014، من خلال شن هجمات ضد تنظيم الدولة “داعش”، وكانت واشنطن دعمت قبل ذلك قوات سوريا الديمقراطية لوجستياً، والتي يشكل فيها المكون الكردي أكثر من 60٪ وتم على إثر هذا التدخل تثبيت قواعد أمريكية في شرق الفرات بالإضافة إلى قاعدة التنف على الحدود السورية العراقية الأردنية.
وفي 23 آذار/ مارس 2019 أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها قوات سوريا الديموقراطية؛ القضاء على تنظيم داعش.
وفي 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب جنود بلاده من الشمال السوري، والبالغ عددهم ألفي جندي، مبرراً ذلك بهزيمة تنظيم الدولة.
أمريكا والتحكم بالشرق الأوسط
نعتقد بأن التواجد الأمريكي في سوريا هدفه تقليص الوجود الروسي والحد من طموحاتها بالسيطرة على الجغرافيا السورية ، وكذلك منح الولايات المتحدة الأمريكية القدرة على السيطرة على مجريات الأحداث بين الأطراف الدولية الاخرى في سوريا.
وتتواجد القوات الأمريكية في منطقة شرق الفرات، على الحدود السورية العراقية، بالإضافة إلى مناطق البترول، ومنطقة “التنف” على الحدود السورية العراقية الأردنية.
وبعد عملية “نبع السلام” التركية على الحدود السورية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن انسحاب قواته من سوريا، وسرعان ما صدرت تصريحات من البيت الأبيض بأن القوات الأمريكية ستبقى لحماية آبار النفط لمنع تنظيم داعش، أو النظام السوري من الاستفادة منها. وتشير دراسات الى أن الهدف من التواجد الأمريكي في شرق الفرات هو البترول، ولكن كما ذكرنا في المحور الأول من هذا التحليل فإن الإنتاج والاحتياطي السوري للبترول لا يشكل سوى 0،18 من الإنتاج العالمي، ناهيك عن حجم الدمار في البنية التحتية لمراكز الإنتاج، لذلك لا يمكن أن يكون النفط مطمعاً لدولة عظمى بحجم أمريكا التي أعلنت مؤخراً تحقيقها الاكتفاء الذاتي منه، ولكن استغلاله يعد فرصة ذهبية بالنسبة لميليشيات مثل قوات سوريا الديموقراطية.
من جهتها؛ تسعى موسكو للسيطرة على سوريا بشكل كامل بعد إحكام سيطرتها على الساحل ومناطق الداخل، ولكن هذه السيطرة لن تكون كاملة وناجحة بتواجد قوات أمريكية، لأن واشنطن تدرك أن أي انسحاب لقواتها ستملئهٌ موسكو وطهران، الأمر الذي سينتج عنهُ تحكمهما من شرق المتوسط إلى إيران وسواحل الخليج العربي.
ويؤيد هذا التحليل ظهور تقارير تشير إلى نية موسكو بناء قاعدة عسكرية بحرية في ميناء بوشهر الإيراني، مما يهدد مصالح واشنطن ويزيد نفوذ موسكو في منطقة الشرق الأوسط، لكن وجود القوات الأمريكية على الحدود السورية العراقية يخلق حاجزاً جغرافياً يحول دون تحقيق هذا الهدف بشكل كلي .
3- إيران
بدأ التدخل الإيراني في الشأن السوري بشكل مباشر مع اندلاع الثورة الشعبية ضد النظام، جاء ذلك على لسان المرشد علي خامنئي، وأخذ في البداية على شكل دعم لوجستي وتقني ومالي، و تطور إلى تموضع عسكري مباشر .
وتوزع الانتشار الإيراني على طول الجغرافيا السورية، إلا أن الضغوطات الاقتصادية والعسكرية التي مارستها أمريكا بهدف حماية حدود كيان الاحتلال الإسرائيلي، دفعت طهران إلى التراجع عن انتشارها الواسع، فأخلت عدة مقرات لها وأعادت انتشارها داخل الأراضي السورية، كما سحبت جزءاً من عناصرها باتجاه الحدود السورية – العراقية.
وتعتبر إيران نظام الحكم في سوريا حليفاً أستراتيجياً لها، وتولي أهمية لهذا التحالف، كما أنها تخطط لتمرير خط استراتيجي لنقل الطاقة يمر بالأراضي السورية، حيث أعلنت بدء تنفيذ مشروع لربط الخليج العربي بميناء اللاذقية السوري عبر شبكة سكك حديد تمر من الأراضي العراقية، وتولي طهران أهمية كبيرة للمشروع في سياق تعزيز دورها ونفوذها الإقليمي للوصول إلى مياه البحر الأبيض المتوسط.
حٌلم الجسر البري الإيراني إلى المتوسط
من خلال تتبع سلوك طهران في المنطقة نلاحظ تصميمها على بناء ممر بري من حدودها إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، عبر العراق وسوريا ولبنان، فمثل هذا الخط الجغرافي الثمين يعزز قدرتها للسيطرة على المنطقة، ودعم حلفائها، ويعزز طموحها لتأسيس نفسها كقوة إقليمية مهيمنة في الشرق الأوسط، وتأمين منفذٍ بحري إلى السوق الأوروبية.
وتهدف طهران من خلال توظيف فيلق القدس إلى إضعاف الدول العربية، ونشر الفوضى، أما عن طريق حكومات تتبع لها، أو عبر زرع مليشيات مثل “حزب الله” لبنان، و”الحشد الشعبي” في العراق، ودعمها عسكرياً واقتصادياً خارج سيطرة الحكومات.
وأهمية الممر البري لإيران إلى البحر الأبيض المتوسط تنبع من عدم امتلاكها لأسطول طائرات، حيث أن طهران لا تملك اسطول طائرات يمكن أن تستند إليه في إنشاء جسر جوي مع دمشق وبيروت، ولاسيما بعد فرض عقوبات عليها ومنعها من إبرام عقود شراء طائرات، ويمكن توظيف الجسر الجوي في نقل الاسلحة الثقيلة فقط، اما نقل الأفراد والأسلحة الخفيفة والمتوسطة برياً يكون أسرع وأقل تكلفة من الطيران، بالإضافة إلى ذلك فإن طهران تواجه ايضاً خطر حظر النقل البحري، إذ يمكن توقيف أي سفينة تتبع لها في البحار والمحيطات وحجزها.
ويوجد ثلاثة معابر بين سوريا والعراق، تربط الطريق البري بشرق المتوسط وتسعى إيران للتحكم بها ، و كما موضح على الخريطة رقم (٢) أن الطرق في اللون الأحمر مغلقة في وجه التمدد الإيراني، أما الطريق ذات اللون البرتقالي هي طريق مستهدفة عسكرياً ، ك التالي :
خريطة رقم (٢): الطرق الدولية التي تمتد من إيران عبر العراق إلى سوريا
ومن خلال توزع القوى على الأرض يكون وضع هذه الطرق على الشكل التالي :
الأول- معبر اليعربية: في الشمال السوري، وهو مغلق بوجه طهران لوجود قوات أمريكية فيه، و غير متاح حالياً ليكون شرياناً لوجستياً رئيسياً.
الثاني- معبر القائم: متاح للاستخدام من قبل القوات الإيرانية، مع تواجد قوي لميليشيات عراقية تابعة لها على طول الطريق داخل و خارج المعبر، لكنه ليس آمناً وكثيراً ما يتعرض لغارات أمريكية و إسرائيلية.
الثالث- معبر التنف: مغلق لوجود قاعدة أمريكية فيه، وهو أقصر طريق بين بغداد ودمشق.
4-تركيا
في عام 2016، تدخل الجيش التركي بشكل مباشر عبر عملية عسكرية برية ضد مسلحي تنظيم “داعش”، ومسلحي وحدات حماية الشعب الكردية أطلق عليها اسم “درع الفرات”.
إثر ذلك توسع الانتشار التركي في شمالي سوريا وشمل مناطق؛ جرابلس ودابق والباب، تلاه تمركز في محافظة إدلب ضمن ما سمي باتفاق مناطق “عدم الاشتباك”.
وفي كانون الثاني، يناير 2018، أطلق الجيش التركي عملية عسكرية ضد الوحدات الكردية أطلق عليها اسم “غصن الزيتون” سيطر خلالها على مدينة عفرين ومحيطها.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر أطلق الجيش عملية ثانية تحت اسم “نبع السلام” بذات الهدف، سيطر خلالها على مناطق واسعة تقع ما بين رأس العين وتل أبيض بطول 145 كيلومترا وعمق 30 كيلومتراً.
تركيا وحماية الأمن القومي
بالنظر إلى الاستراتيجية التي وضعها رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو في كتابه “العمق الاستراتيجي”، بتوجيه السياسة الخارجية نحو الدول العربية والاسلامية، و من مبدأ “صفر مشاكل” مع دول الجوار، لإعادة تركيا إلى دورها الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط ، حيث أشارا أحمد داود أوغلو في كتابه أن سوريا ستكون بوابة تركيا للانفتاح اقتصادياً وسياسياً على الدول العربية .
وكانت سوريا تمثل خط عبور تجاري من تركيا الى دول الخليج العربي، وبعد الثورة توقف هذا الخط لأسباب أمنية، و كانت أنقرة من أكثر المؤيدين لمد خطوط أنابيب من دول الخليج عبر سوريا إلى تركيا، لتعزيز موقعها كمركز عالمي لنقل موارد الطاقة.
ونظراً إلى أن الحدود البرية التركية السورية يبلغ طولها حوالي 900 كم، ومع ارتفاع وتيرة الحرب في سوريا، وتشكل حزام من قوات “قسد” المصنفة كمنظمة “إرهابية” لدى أنقرة، فقد أصبح التدخل العسكري التركي في الشمال السوري جزءً من أمنها القومي.
بالإضافة إلى وجود مصالح اقتصادية لتركيا في الشمال السوري، حيث تسعى لأن تكون المنطقة مرتبطة بها اقتصادياً بشكل كامل بحكم الجغرافية، ولاسيما أن السوريين في الشمال و وفقاً للكثير من الإحصاءات يثقون بالطرف التركي، بخلاف الأطراف الأخرى.
من هذه المنطلقات الأساسية؛ القضية الكردية، التي تسعى دول تناصب تركيا العداء لإقامة كيان لأكراد سوريا على حدودها، يشكل تهديداً استراتيجياً لوحدة أراضيها على المدى البعيد، تدخلت أنقرة في الصراع السوري، وحققت بعض مصالحها عسكرياً، ولازالت تناور لتحقيق ما تبقى من مصالحها سياسياً، في خضم الاشتباك الدولي المعقد، وتداخل المصالح الإقليمية في سوريا.
خارطة النفوذ الأجنبي في سوريا
ومع تحول التدخل الأجنبي في سوريا إلى أمر واقع، توزعت مناطق نفوذ الدول الفاعلة بناء على مجريات الصراع وتطوراته العسكرية والسياسية، ويمكن تلخيص الخارطة على النحو التالي:
تتواجد القوات الروسية في قاعدة “حميميم” وهي قاعدة جوية تقع في بلدة حميميم قرب مدينة جبلة، إضافة إلى قاعدة “طرطوس” البحرية؛ وهي القاعدة البحرية الوحيدة في المتوسط.
كما تنتشر في “تدمر”، وبلدات بريف “منبج” ومناطق أخرى.
وتتواجد القوات الأمريكية في قاعدة “رميلان” شرق مدينة القامشلي، إضافة إلى قاعدة “المبروكة”، وقاعدتي “خراب عشرة” و “عين عيسى”، فضلاً عن قاعدة “عين العرب” في ريف حلب الشمالي، وقاعدة “تل بيدر” شمال محافظة الحسكة، و “تل أبيض” على الحدود السورية التركية.
كما تتواجد القوات الأميركية في منطقة “منبج”، إضافة إلى منطقة “التنف” جنوب شرق سوريا.
أما إيران فيعتبر وجودها الأوسع انتشاراً بين القوى المتصارعة، بفضل الميليشيات الأجنبية التي تتوزع على خارطة الجغرافيا السورية، ويقدر عدد مقاتليها بعشرات الآلاف، وتضم قوات من “الحرس الثوري” و “الباسيج”، ومليشيات أفغانية وعراقية، ولإيران قاعدة عسكرية في معامل الدفاع في منطقة “السفيرة” بحلب شمال البلاد، ولها وجود جنوب العاصمة دمشق، وفي ريف حلب الجنوبي أو ريف حمص الشرقي.
أما الوجود العسكري التركي فهو يتركز شمال سوريا بمناطق “عفرين” و “جرابلس” حتى “إدلب”، حيث أسس الجيش التركي نقاط مراقبة عسكرية في محيط المحافظة ضمن اتفاق خفض التصعيد بين تركيا وروسيا وإيران.
الخريطة المتوقعة لتوزع القوى في سوريا
تسعى موسكو لتوسيع سيطرتها على الأراضي السورية على حساب قوات المعارضة في إدلب . لتثبيت نفوذها، و احكام سيطرتها على الطريق الدولي M5، أي من المتوقع أن تسيطر على مدن معرة النعمان وسراقب .
أما أنقرة، فمن المحتمل أن يمتد نفوذها على طول الحدود السورية ، من إدلب المدينة التي من المحتمل أن تنضم إلى مناطق غص الزيتون و درع الفرات ، حتى قرية تل تمر على الطريق الدولي M4 .
واشنطن، ستدفع إلى تعزيز و تثبيت قواتها على طول الحدود الشرقية من اليعربية شمالاً إلى التنف جنوباً، لأن انسحابها سيعزز سيطرة موسكو على سوريا ومناطق في الشرق الاوسط ، و تصبح تهديداً حقيقياً لمصالحها .
طهران ، من المرجح أن يتم إزاحتها بشكل تدريجي من الخارطة السورية، نظراً لتهديدها مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، و منافستها لنفوذ موسكو، وتهديدها لأمن إسرائيل . سوف نستشرف توزع القوى خلال الفترة القادمة كالتالي :
الخريطة رقم (3): توزع القوى في سوريا ، وتستشرف كيف سوف تكون هذه الخريطة في الفترة القادمة
خلاصة
تعمل موسكو على تعزيز تواجدها في قاعدة طرطوس وسوريا بشكل أوسع، انطلاقاً من أهميتها الاستراتيجية في شرق المتوسط، سيما أنها القاعدة الروسية الوحيدة في الخارج التي ترسو فيها قطعها العسكرية و اسطولها البحري، وبتواجدها هناك يصبح لها دور مؤثر على الدول الأوروبية التي هي جزء من حلف الناتو، وتحقق مرونة وسرعة التحرك في البحر المتوسط، والمحيط الأطلنطي والبحر الأحمر، و بتواجدها في سوريا تصبح موسكو أكثر قدرة على احتواء التهديدات الغربية، وحماية سفنها العسكرية والتجارية في المياه الدولية إذا ما تعرضت لأي اعتداء.
وبحسب تقارير واستبيانات فأن محاربة تنظيمات حزب العمال الكردستاني المعروف اختصاراً بـ(pkk) يأتي في مقدمة اهتمامات الأمن القومي للحكومة والشعب التركي، وبحسب التقارير نفسها جاء الاقتصاد ثانياً، وهذا ما دفعها للتدخل عسكرياً في سوريا، لذلك ستعمل أنقرة لتثبيت مواقعها في الشمال السوري.
وينظر إلى التواجد الأمريكي في شرق سوريا ومنطقة التنف، كونه يشكل أهمية جيوسياسية استراتيجية، لمنع روسيا من إكمال سيطرتها على منطقة واسعة في الشرق الأوسط؛ وخاصة بعد تمركزها بشكل كبير على ساحل البحر المتوسط . بالإضافة لمنع إيران من إنشاء طريق بري يؤمن لها وصولاً سلساً إلى شرق المتوسط، بالتعاون مع حكومة العراق والنظام سوريا، وحزب الله في لبنان.