دراسات

تطبيق نظرية الألعاب لتحليل جائحة كورونا

نشر مركز الأناضول لدراسات الشرق الأدنى (أيام) دراسة حديثة للدكتور مصطفى الوهيب حول استخدام نظرية الألعاب Game Theory لتحليل وفهم جائحة كورونا، وهي من الدراسات الأولى من نوعها التي تقدم نموذجا لجائحة كورونا تم بناؤه بشكل تدريجي على شكل لعبة بين فايروس كورونا والبشر، تمتد على خمس مراحل، ويتم الإنتقال لكل مرحلة عبر مجموعة من الخطوات الإستراتيجية التي يتخذها اللاعبون (الفايروس أو البشر).

وأهمية هذه الدراسة تأتي لكونها تجمع العوامل البشرية مع الخصائص البيولوجية لفايروس كورونا لفهم شامل لجائحة كورونا، كما أنها تصلح للتحليل وأيضا للتنبؤ وإستشراف المستقبل الذي سيكون عليه وضع الجائحة والمجتمعات البشرية التي تسعى لمكافحتها، فضلا عن إسناد صانعي القرار وواضعي الإستراتيجيات للإسترشاد بمنهجية تقترحها الدراسة لتوقع المستقبل.

وتوضح الدراسة بأننا حاليا في المرحلة الرابعة للعبة التي تسميها “لعبة كورونا”، حيث تكون اللعبة بهذه المرحلة لاصفرية (أي لا منتصر ولا خاسر فيها)، مما يحتم على البشر والفايروس التعايش بحالة من الإستقرار.

وتشرح الدراسة بمعادلات رياضية كيفية الوصول والحفاظ على حالة الإستقرار، حيث تأخذ المعادلات بعين الإعتبار ضرورة إدخال أعداد المصابين والطاقة الاستيعابية للمنظومة الصحية ضمن حسابات الإستقرار.

وإضافة لذلك: تقترح الدراسة إدخال عامل جديد لحالة الإستقرار، وهو “معامل الإجراءات التحفظية” وهو مقياس من صفر إلى تسعة يمكن استخدامه لقياس درجة أهمية وتأثير أي إجراء تحفظي تتخذه دولة ما، مثل إغلاق الأسواق المدارس أو تعطيل الانشطة الرياضية وفرض التباعد الإجتماعي. وترى الدراسة بأن معامل الإجراءات التحفظية يساند المنظومة الصحية بتقليل الإصابات، وتضع الدراسة صيغة رياضية لجعل معامل الإجراءات التحفظية جزءاً من معادلات الإستقرار الرياضية.

لكن الدراسة تمضي لنقطة أعمق من ذلك، وتفترض أن لكل إجراء تحفظي ما تتخذه الدولة، هناك حالة من المقاومة البشرية تنتج بسبب التأثيرات الجانبية لذلك الإجراء، وتتناسب شدة هذه المقاومة تبعا لـ: (1) نوع الإجراء؛ (2) الطبيعة الإجتماعية والنفسية لفئة (أو فئات المجتمع) المستهدف بالدراسة؛ (3) المدى الزمني (الوقت) الذي يمتد خلاله تطبيق الإجراء التحفظي قبل انتهائه أو تعطيله مؤقتا، بحيث أنه كلما زاد وقت تطبيق إجراء تحفظي ما، زاد معامل المقاومة البشرية بسبب ذلك الإجراء.

وهناك أيضا شكل آخر للتأثيرات الجانبية للإجراءات التحفظية، وهو تحفيز عدد كبير جدا من المشمولين بالإجراء التحفظي لمعاودة النشاط (المعطل وفق الإجراء التحفظي) وذلك مباشرة فور رفع أو تعليق الإجراء التحفظي وبما يؤدي إلى تزاحم أو خرق قواعد التباعد الإجتماعي. مثلا: لو فرضنا أن إجراءً تحفظيا اتخذ بدولة ما ويقضي بإغلاق جميع الأسواق ومحلات الأغذية لعدة أيام، فإن جموعا بأعداد كبيرة من البشر يتوقع أن تخرج للأسواق لشراء الإحتياجات الأساسية فورا بمجرد تعطيل أو انتهاء وقت الإغلاق، وهذا التجمهر الكبير بالأسواق (بعد انتهاء الإجراء التحفظي) يشكل خطورة كبيرة بحد ذاته.

لذا فإن عامل المقاومة البشرية للإجراءات التحفظية هو عامل بالغ الأهمية، لأنه لا يتعلق فقط بالتمرد البشري الممكن حصوله أثناء تطبيق الإجراء التحفظي، بل تعطي تصورا حول المستقبل وردة الفعل البشرية الطبيعية والمتوقعة بعد انتهاء الإجراءات، وبما قد ينتج عنه زيادة غير متوقعة بأعداد المصابين بكورونا ضمن ردة الفعل ضد الإجراء التحفظي، وهذا ما سيدخل الدولة أو المجتمع بدورة جديدة من الإصابات بكورونا قد تكون أسوأ من سابقتها بفعل الإجراءات التحفظية المتخذة بالدورة السابقة للإصابات.

وتعطي الدراسة الحل الرياضي للمعادلة الخاصة بتقدير المدى الزمني الأقصى لتطبيق أي إجراء تحفظي، بحيث يكون معامل المقاومة البشرية عبارة عن “دالة متغيرة مع الزمن”، ويجب إيقاف تطبيق أي إجراء تحفظي بعد مرور فترة زمنية ما، وإلا ستنتهي حالة الإستقرار وسيكون إحتمال إنهيار المنظومة الصحية عاليا.

وبإدخال معامل المقاومة البشرية بمعادلات التوازن بالمرحلة الرابعة للعبة كورونا الحالية، يتحقق نوع من الإستقرار بين فايروس كورونا والبشر بظل غياب لأي لقاح فعال (حتى وقت إعداد هذه الدراسة) أو عدم تطوير الفايروس لنفسه لسلالات أكثر فتكا، وهو (إن حدث) فستنتقل اللعبة إلى المرحلة الخامسة – وفقا للدراسة-.

ووفقا لمعادلات التوازن، تقدم الدراسة “خوارزمية” جديدة للحكومات والدول يمكن تطبيقها منهجيا لفتح أو تعطيل أي نشاط بشري، وهذه الخوارزمية شديدة العمومية وتصلح لأي سيناريو مفترض، وتعرض الدراسة مثالا لتطبيق الخوارزمية لفتح أو تعطيل حركة السفر الدولي، حيث تفترض الخوارزمية من بعد دخول اللعبة للمرحلة الرابعة أن الأصل بالأنشطة البشرية هو حالة الإغلاق أو التعطيل، وأن هذه الحالة الإفتراضية يمكن تغييرها بقراءة المعطيات الخاصة بحالة التوازن وتطبيق خطوات الخوارزمية.

وتفصل الدراسة مراحل اللعبة المختلفة والعلاقات الرياضية التي تحكم اللاعبين بجائحة كورونا، وتضع ملاحظات تدعم صانعي القرار والمحللين، وإطارا منهجيا لاستشراف المستقبل في ظل جائحة كورونا.

مركز الأناضول لدراسات الشرق الأدنى

مركز الأناضول لدراسات الشرق الأدنى

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: