أهم الأحداث خلال الأسبوع |
توقعات بتصاعد مؤشر التضخم في تركيا فوق 60 % 19 مارس |
ادعاءات أن أميركا اقترحت على تركيا نقل صواريخ إس-400 إلى أوكرانيا وتركيا ترفضه. 20 مارس |
برلمان تركيا يشرع بمناقشة تعديلات لقانون الانتخابات 21 مارس |
تركيا لن تلتزم بغير عقوبات الأمم المتحدة على روسيا 23 مارس |
صندوق إماراتي ـ تركي للاستثمار بـ300 مليون دولار 24 مارس |
مشاركة أردوغان في قمة الناتو 24 مارس |
إردوغان: تركيا وإسرائيل يمكنهما التعاون في قطاع الغاز 25 مارس |
تركيا تناشد الأطراف الليبية تجنب اشتباكات جديدة 25 مارس |
إردوغان يدعو الأطلسي إلى إنهاء حظر الأسلحة على تركيا 25 مارس |
إردوغان: يجب تشجيع بوتين على خروج مشرف من أوكرانيا 26 مارس |
الإعلان عن استضافة تركيا لمحادثات جديدة بين روسيا وأوكرانيا في 28 مارس. 26 مارس |
وزير الخارجية التركي “الأوليجارش” الروس مرحب بهم في تركيا، مع الالتزام بالقانون الدولي 26 مارس |
التعيينات والمهام الجديدة
المشهد الداخلي (التفاعلات الحزبية)
ملخص: على المستوى الداخلي كان أبرز الملفات يتمثل في نقاش لجنة الشؤون القانونية والدستورية بالبرلمان التركي حزمة التعديلات على قانون الانتخابات، التي قدمها حزبا العدالة والتنمية والحركة القومية الأسبوع الماضي، تمهيداً للتصويت عليها.
وكانت أهم التغييرات المقترحة في بنود القانون الجديد المكون من 15 مادة، خفض العتبة الانتخابية من 10% إلى 7%. ومنع انتقال النواب من حزب إلى آخر من أجل تسهيل خوض الانتخابات، وتغيير طريقة حساب أصوات التحالفات الانتخابية، بحيث يتم حساب كل حزب على حدة لمنع استفادة الأحزاب التي تحصل على أقل من 7 في المائة من دخول البرلمان، وأن يكون الحزب السياسي الراغب في المشاركة بالانتخابات قد عقد مؤتمره العام لمرتين متتاليتين في الولايات والأقضية في الفترة التي يحددها قانون الأحزاب السياسية واللوائح الداخلية للأحزاب.
وبالطبع تصعب هذه المقترحات الجديدة وضع الأحزاب المعارضة وتزيد من ارتباكها فهل ستظل على تحالفها أم يحدث تحالف بين الأحزاب الصغيرة، هل ستخوض الانتخابات باسم احزابها أم سيسجل نوابها ضمن الأحزاب الأكبر.
وقد كان أردوغان واضحا بالقول أن الهدف من القانون الجديد هو منع أحزاب اللافتات بمعنى الأحزاب التي لا قيمة شعبية لها من التلاعب في السياسة وقد قام حزب الشعب الجمهوري سابقا بالتبرع ببعض الأماكن التي كان من المفترض أن يتم فيها انتخاب أعضائه لمرشحي الأحزاب الأخرى، في إشارة إلى منح 15 مقعداً لحزب الجيد برئاسة ميرال أكشنار، ليتمكن من خوض انتخابات عام 2018، حيث لم يكن الحزب عقد مؤتمره العام الأول بعد.
وتشير أحدث بيانات سجلات مكتب المدعي العام لمحكمة الاستئناف العليا في تركيا إلى أنه تم تأسيس 21 حزباً سياسياً جديداً خلال عام 2021 ليرتفع عدد الأحزاب في البلاد إلى 124 حزباً.
لابد من الإشارة هنا أنه وفق القانون الجديد يتعذر اجراء انتخابات مبكرة حيث لابد من مرور عام على إقرار القانون الجديد مما يشير على الأغلب أن الانتخابات ستجرى في موعدها في حزيران 2023.
المشهد الخارجي (الدبلوماسية التركية)
فيما يتعلق بالمشهد الخارجي استمرت تركيا في دورها في التوسط في الأزمة الأوكرانية وكان أبرز الأحداث هو مشاركة أردوغان في قمة الناتو حيث التقى زعماء 30 دولة في قمة الناتو في بروكسل بتاريخ 24 مارس 2022 في قمة استثنائية، وقد تم نقاش مستقبل أوروبا الشرقية في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية. وقد كان هناك إيجابية وارتياح في الموقف التركي خلال لقاء الرئيس أردوغان بالزعماء الغربيين حيث عمل على الاستفادة من الدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا بتحقيق تقدم عملي في العلاقات مع الغرب في ظل توقع امتداد الأزمة.
وقد عقد الرئيس أردوغان اجتماعات ثنائية مع قادة فرنسا وإيطاليا وإستونيا وإسبانيا والمملكة المتحدة، فضلاً عن قمة رؤساء الدول والحكومات في مقر الناتو في بروكسل. وقد طلب أردوغان ألا يفرض حلفاء الناتو عقوبات على بعضهم البعض، وأن يعيدوا النظر في سياسات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والتي تركت تركيا بمفردها في مواجهة تنظيمين تعتبرهما إرهابيين وهما حزب العمال الكردستاني و تنظيم غولن.
كما وضع أردوغان شرطا من أجل إحياء العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي وهو فتح مفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي دون الانصياع للمصالح الشريرة. مع بدء سريع لمفاوضات تحديث الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
وبشكل عام كانت رسائل القادة الأوروبيين الذين التقوا بأردوغان في القمة وقبلها، رسائل إيجابية لاستعادة العلاقات مع تركيا وعلى وجه الخصوص، كانت مواقف المستشار الألماني شولتز ورئيس الوزراء الهولندي روته، جيدة من وجهة نظر القيادة التركية.
كانت هناك لهجة إيجابية بالنسبة لتركيا من قبل القادة الأوروبية ومؤشرات على تحسن في الموقف وقد تحسن الأزمة الحالية الأجواء وتقلل من التوتر في العلاقات التركية الغربية على مدى امتداد الأزمة الأوكرانية وتزيد من التضامن ولكن ليس سهلا أن يغير الغرب نظرته الاستراتيجية إلى تركيا، مع وجود بعض الأمل بذلك لدى الأتراك أو جزء منهم.
المهم بالنسبة لأردوغان أنه عازم على الاستفادة من الموقف الغربي الحرج حاليا بسبب الأزمة الأوكرانية للاستفادة من المشهد داخليا وخارجيا.
أكثر من 750 ألف إسرائيلي حضروا جنازة رجل الدين اليهودي حاييم كانيفسكي. |
في خطابه بالكنيست عبر الزووم، زيلينسكي يشبه ما يحدث في أوكرانيا بما حدث في الهولوكوست. |
رئيس الوزراء الإسرائيلي بينّيت: مع الأسف، إنَّ الولايات المتحدة عازمة على توقيع الاتفاق النووي مع إيران بأي ثمن، وسيكون ذلك مكلفاً. |
رئيس الوزراء الإسرائيلي بينّيت يهنئ الإيرانيين بعيد النوروز برسالة مرئية، وستمنى لهم التخلص من “النظام الإيراني الظالم والقاسي”. |
الرئيس الإسرائيلي هرزوغ يلتقي نظيره الفرنسي ماكرون في فرنسا. |
طائرات إسرائيلية تشارك في مناورة جوية تستضيفها اليونان، بمشاركة مصر، الكويت،المغرب والسعودية فيها بصفة مراقب. |
وزارة الإسكان والتعمير تطرح 10000 منزل ميسور التكلفة للبيع عن طريق القرعة، وذلك بعد الارتفاع الحاصل في أسعار العقارات السكنية. |
رئيس الوزراء الإسرائيلي بينّيت يلتقي مع الرئيس المصري السيسي وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في شرم الشيخ. |
أعلن وزير الخارجية السنغافوري بعد لقائه مع نظيره الإسرائيلي أنَّ سنغافورة ستفتتح سفارة لها في تل أبيب. |
مقتل 4 إسرائيليين في هجوم على بئر السبع. |
جنرال إيراني رفيع الرتبة يهدد إسرائيل برد انتقامي فوري إذا أقدمت إسرائيل على قتل أحد جنودها. |
انخفاض معدل البطالة في إسرائيل من 5.6 إلى 5.4 وفقاً لدائرة الإحصاء. |
بوتين يجري مكالمة هاتفية مع بينّيت، أعرب فيها بوتين عن تعازيه للهجوم الذي وقع في بئر السبع وذلك أثناء مناقشة مسألة أوكرانيا. |
اسرائيل ترفض طلب أوكرانيا للحصول على برنامج إن إس أوه للتجسس مخافة رد فعل روسيا على ذلك. |
إسرائيل تستضيف وزيرة الخارجية الأمريكية بلينكن و وزراء خارجية الإمارات، المغرب، مصر والبحرين في قمّة سُمِّيَت “بالقمّة التاريخية”، ويبدو أنَّ هناك محاولات جارية لإقناع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي للانضمام وفقاً لما ذكرته صحيفة واللا نيوز. |
وزارة النقل الإسرائيلية تعلن أنَّ الأولوية لتفريغ البضائع في الموانئ ستُعطَى للسفن المُحَمَّلة بالقمح والحبوب وذلك نظراً للخوف من المجاعة المُحتَمَلة بسبب الحرب الأوكرانية. |
الرئيس التركي إردوغان: رئيس الوزراء الإسرائيلي بينّيت قد يزور تركيا قريباً. |
الجيش الإسرائيلي يعلن عن انتهاء الزيارة الرسمية الأولى لكبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليين إلى المغرب. |
السفير الروسي في سوريا يحذر من أنَّ الهجمات الإسرائيلية في سوريا تستفز روسيا للرد. |
بحسب ما ذُكِر في الإعلام الإسرائيلي فإنَّ إيران قد رفضت شرط الولايات المتحدة في “التعهد العلني بتهدئة التوتر في المنطقة”، حيث كان ذلك الشرط لشطب اسم الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب. |
السياسة الخارجية
أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي لابيد بأنَّه سيستضيف وزراء خارجية الولايات المتحدة، الإمارات، المغرب، البحرين ومصر في “القمة التاريخية” في إسرائيل، وذلك بعد اللقاء الثلاثي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بينّيت و الرئيس المصري السيسي و وليّ عهد أبو ظبي محمد بن زايد في شرم الشيخ.[1] وستشكِّل هذه القمة نقطة تحول في الجهود المبذولة لتحقيق التعاون المستمر في المنطقة. ومن جهة أخرى أشار الرئيس التركي إردوغان إلى إمكانية زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تركيا في المستقبل القريب.[2]
إنَّ هناك أسباب متعدِّدَة تدفع دول المنطقة إلى إقامة مثل هذه العلاقات والتعاون مع إسرائيل، إلّا أنَّ السبب الأساسي لها هو السياسة الإقليمية الجديدة للولايات المتحدة في المنطقة، حيث أكَّدَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بينّيت أنَّ تصميم الولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران لن يؤثّر على إسرائيل فحسب بل على المنطقة بأكملها.[3] ومن جهة أخرى فإنَّ التهديد الإيراني المتزايد هو أحد العوامل الرئيسة لزيادة التعاون بين دول المنطقة، وخاصّةً بعد تجاهل الولايات المتحدة للهجمات الإيرانية الأخيرة على دول الخليج والتي نفَّذها وكلاء إيران في المنطقة.[4] بالإضافة إلى الهجوم الأخير الذي قام به الحوثيون المدعومون من إيران على منشآت شركة أرامكو السعودية.
ومن ناحية أخرى فإنَّ قضية أمن الطاقة هي أحد الأسباب الأساسية لزيادة التعاون بين إسرائيل ودول المنطقة خاصة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، فقد أصبحت هذه المسألة ذات أهمية كبرى على المستوى الدولي. فمن جهة تعمل مصر وإسرائيل على تطوير التعاون المشترك في مجال الطاقة،[5] ومن جهة أخرى ناقش الرئيس التركي إردوغان مسألة التعاون مع إسرائيل في مجال أمن الطاقة ونقل الغاز الطبيعي مرة أخرى هذا الأسبوع، حيث أنَّ هذه القضية هي من أحد الأسباب الرئيسة للتقارب بين البلدين.[6] بينما توصلت الأردن والإمارات إلى اتفاق مع إسرائيل للتعاون على تطوير مشاريع الطاقة المتجددة. وإنَّ هذا التقارب سيشكّل النقطة الحاسمة لمستقبل قطاع الطاقة فيها. فعلى سبيل المثال فإنَّ قضية استخدام إسرائيل لمنشآت تسييل الغاز الطبيعي المصرية أو نقله إلى تركيا ستحدد طبيعية العلاقات الثنائية بين هذه الدول.[7]
السياسة الداخلية:
احتلت حادثة الطعن بالسكين في بئر السبع الأجندة السياسية الداخلية هذا الأسبوع، وعلى الرغم من إدانة حزب القائمة العربية الموحدة للهجوم بشكل واضح ومباشر، إلّا أنَّ الحقيقة هي أنَّ منفذ الهجوم هو مواطن إسرائيلي من عرب ال48 وأنَّ هذا الحزب العربي هو جزء من الائتلاف الحكومي فقد أدّى ذلك إلى رد فعل شعبي عنيف.[8] إذ أنّه وبعد بذل حزب القائمة العربية الموحدة جهود كبيرة تمَّ تخصيص ميزانية كبيرة من الموازنة الإسرائيلية وذلك لغرض الاستثمار في مناطق مواطني عرب ال48، وبالأخص منطقة النقب.[9] ومن جهة أخرى فقد استند الخطاب السياسي لزعيم الحزب منصور عباس إلى تقليص معدلات الجريمة المرتفعة في الوسط العربي.
وفي ظل هذه الحادثة، فقد اتَّهم زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو بينّيت ولابيد بتسليم النقب أولاً إلى حزب راعم والآن للإرهابيين الإسلاميين المتعطشين للدماء.[10] ومن جهة أخرى فقد اتَّهم بعضُ أعضاء حزب المعارضة الرئيسي ليكود الحكومةَ بالضعف وفقدان السيطرة في النقب[11] بينما أدان بعض أعضاء الائتلاف نتنياهو وحزبه بتوظيف هذا الحدث كأداة سياسية.
المراجع:
نستعرض خلال هذه السلسلة من الدراسات التطورات الواسعة بمكانة تركيا الدولية ووضعها الإقليمي والداخلي خلال السنوات الخمس الأخيرة (2015-2020)، وهي سنوات شهدت تغيرات نوعية وجوهرية، منها الانقلاب الفاشل عام 2016
وما تلا ذلك من اعادة هيكلة وبناء للدولة التركية، ثم الاستفتاء وتغيير نظام الحكم إلى النظام الرئاسي، وما رافق ذلك من تغييرات دولية وإقليمية أبرزها وصول دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة، ثم مغادرته البيت الأبيض لصالح جو بايدن، وتغير أولويات الإدارة الأمريكية، واتجاه السياسة الخارجية التركية بشكل ملفت وفعّال بذات الفترة نحو ساحات دولية مثل سوريا وليبيا، والدور التركي المتزايد في أفريقيا وآسيا الوسطى، ثم حدوث جائحة كورونا مع كل ما فرضته من تغييرات اقتصادية واجتماعية وحتى سياسية، كل ذلك يجعل من هذه السنوات الخمس معلماً بارزاً ومفصلياً لتركيا، نتناولها بدراسات تشمل الطاقة والتصنيع العسكري والعلاقات الخارجية والوضع الداخلي والاقتصاد التركي، والتدخلات العسكرية الخارجية وتأسيس قواعد عسكرية خارج الحدود الوطنية، حيث سنرى تصاعد وتفوق الدور التركي إقليميا ودوليا خلال تلك السنوات، مع وجود تحديات تواجه تركيا في سياق مسيرتها الحالية نحو تبوأ مكانة دولية متقدمة، ونحن نتمنى أن تسهم سلسلة الدراسات هذه بإبراز الحقائق ورسم صورة شاملة لتركيا الآن مقارنة مع تركيا قبل خمس سنوات.
د. مصطفى الوهيب
مدير مركز الأناضول لدراسات الشرق الأدنى (أيام)
1 – المقدمة
تمر تركيا بحالة تحول نسبي في أولويات سياساتها الخارجية ومبادئها تبعا لمتغيرات محلية ودولية جذرية حدثت بين عامي 2015 – 2020.
محليا: لعب الإنقلاب الفاشل عام 2016، ثم تغيير نظام الحكم إلى النظام الرئاسي في 2017 دورا مهما بتحديد المسار الحالي للسياسة الخارجية التركية.
دوليا: اضطرت تركيا للتعاطي مع محيط اقليمي غير مستقر في سوريا والعراق وليبيا، فضلا عن الصراع على موارد الطاقة وترسيم الحدود في شرق البحر الأبيض المتوسط، وتدخل تركيا عسكريا في ساحات دولية خارجية، كل هذا أعاد رسم السياسة الخارجية التركية وغير علاقاتها مع أطراف عديدة وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
كما أن موقف تركيا مما يسمى بالربيع العربي، وانحيازها إلى جانب قطر في سياق الأزمة الخليجية كبدها خسائر في علاقتها مع بعض دول الخليج مثل السعودية التي كانت تربطها معها مصالح وعلاقة استراتيجية، فضلا عن المصالح الإقتصادية الضخمة.
نرصد في هذه الدراسة مسار وسياقات العلاقات الخارجية التركية تجاه القوى الإقليمية والدولية، ونفصّل ما طرأ عليها تبعا للأحداث والمتغيرات من بعد عام 2015.
في القسم الاخير للدراسة اضفنا ملحق يبحث في العلاقات التركية مع عدد من الدول على الرغم من عدم حدوث أي تغير في علاقاتها معهم، ولأهمية علاقات تركيا مع تلك الدول اضفنا الملحق.
2 – العوامل الأساسية للسياسة الخارجية التركية
تقليديا يمكن دراسة السياسة الخارجية لبلد ما من خلال تحديد ما تسمى بالـ “المدخلات والمخرجات” كأداة في التحليل. كما تنضبط كل دولة بمجموعة معينة من المبادئ والخبرات والتقاليد التي تشكل “ثوابت” لسياستها الخارجية وتبقى ممتدة على مدى زمني طويل إلى حد بعيد. وهناك مجموعات أخرى من المبادئ يمكن أن نقول عنها “ظرفية متغيرة” ترتبط وتتطور بحسب المتغيرات الداخلية والعالمية.
وفي سياق هذه الدراسة، تأسست السياسة الخارجية التركية مع نشوء الدولة التركية الحديثة على يد كمال أتاتورك، وهي تتشكل تبعا للعوامل التالية:
1. الأيديولوجية السياسية للنخبة الحاكمة (الكمالية):
طرح مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة الإطار الأيديولوجي الذي حدد المسار الذي تتبعه السياسة الخارجية التركية، وأن جميع الحكومات التركية بغض النظر عن توجهاتها وضعت مبادئ وسياسات تتلائم مع المبادئ الكمالية، مما يجعل هذه المبادئ أحد الأطر الرئيسية للسياسة الخارجية التركية وهي كالتالي.
ينظر أتاتورك الى العلمانية على أنها عنصر ضروري من عناصر التحديث، ولا تغطي فقط الحياة السياسية، بل تشمل الحياة الاجتماعية والثقافية بأكملها. وبالنظر لمبدأ العلمانية الذي صاغه أتاتورك لا يجوز للدولة أن تبني أو تتبنى سياسات داخلية وخارجية على أساس ديني كما في مراحل تاريخية سابقة.
حدد أتاتورك مفهوم القومية في إطار المبادئ الأساسية وهي : الوحدة الجغرافية والسياسية، والثقافة، الوحدة التاريخية، بمعنى إن المجتمع المكون من أشخاص يتشاركون نفس الوطن، ويعيشون في ظل نفس الإدارة السياسية، ولديهم التاريخ المشترك، ويريدون الحفاظ على هذه الشراكة، يحق لهم أن يصبحوا أمة. ويسرد أتاتورك العوامل الفعالة في تشكيل الأمة التركية على النحو التالي :
• الوحدة في الوجود السياسي
• وحدة اللغة
• وحدة المنشأ
• وحدة الأصل
• وحدة التاريخ
الجمهورية هي المبدأ الأساسي والقيمة الأساسية لأتاتورك. لأن الجمهورية بفكره، تمثل شكلا من أشكال الدولة والحكومة، ولا يمكن الاستغناء عنها، وهي أساس الدولة التركية الجديدة. لذلك منذ عام 1924 ، تم الحفاظ على مبدأ الجمهورية بكافة الدساتير التي كتبت في تركيا. ويقول أتاتورك أن “شكل الحكومة الذي يوفر التطبيق الأكثر حداثة ومنطقية لمبدأ الديمقراطية هي الجمهورية، وهي الإدارة الأكثر ملاءمة لطبيعة وعادات الأمة التركية.”
2. العامل التاريخي: تستند السياسة الخارجية التركية لسياق تاريخي وثقافي، باعتبارها وريثة الإمبراطورية العثمانية التي كانت تحكم مناطق جغرافية ممتدة على ثلاث قارات ( آسيا، أفريقيا، أوروبا). واستطاعت الدولة العثمانية التأثير بشكل كبير في المجتمعات التي حكمتها من ناحية بعض الثقافات والعادات والتقاليد.
فعلى نطاق الدول الاسلامية والعربية، وباعتبار الدولة العثمانية كانت مركزاً للخلافة الإسلامية لمدة أربع قرون، ساهم هذا الإرث في تفعيل دور تركيا اقليمياً من خلال إحياء التاريخ المشترك والعلاقات التاريخية مع الدول الإسلامية والعربية، وتبعات هذا الإرث تنعكس جوهريا على سياسة تركيا الخارجية.
3. الموقع الجيوسياسي والجيوستراتيجي: يوفر موقع تركيا المميز جسراً برياً يربط بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، ويشكل عنصراً مهماً في تحديد السياسة الخارجية للدولة. كما أن موقع تركيا الجغرافي الخاص يجعلها دولة بلقانية ومتوسطية وقوقازية وشرق أوسطية وأوروبية في نفس الوقت. كما أنه يجعل تركيا معرضة بشكل مضاعف للتطورات الدولية القريبة والبعيدة، وبالتالي ستكون تركيا حساسة للغاية تجاه التغيرات في التوازن السياسي الدولي والإقليمي.
خلق الموقع الجغرافي لتركيا “متلازمة الأمن القومي” كما صاغها رئيس الوزراء السابق “مسعود يلماز”. وفي هذا السياق فقد أثَّر تفكك الاتحاد السوفيتي والتطور المستمر لأوروبا الشرقية في الماضي القريب على سياسات تركيا الخارجية والأمنية، وأزمتي البوسنة والهرسك وكوسوفو في البلقان، والصراعات حول ناغورنو كاراباخ والشيشان وأبخازيا في القوقاز، وكلها وقعت في الجوار الإقليمي المباشر لتركيا. وقد نشأت مخاوف من إمكانية إقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق بعد حرب الخليج 1990-1991.
وتتأثر تركيا باعتبارها جزءا من الشرق الأوسط بشكل كبير بعدم الاستقرار الذي تعيشه المنطقة، وأي تطور مزعزع للاستقرار في المنطقة قد يسبب إشكالات أمنية لها. وبالتالي، فإن انعدام الأمن العام في المنطقة قد أثر بشكل متفاقم على تركيا مثل الحرب الخليجية الأولى والثانية، ومن قبلها كانت الحروب العربية الإسرائيلية، وأخيراً حالة الفراغ الأمني والحروب بعد ثورات الربيع العربي.
2 – 1 ثوابت السياسة الخارجية التركية
الثوابت في السياسة الخارجية هي العناصر التي تؤثر وتتأثر فيها السياسة الخارجية للدولة ولا يمكن تجاهلها أو تغيرها بشكل سهل أو مفاجئ. وتعبر الثوابت في السياسة الخارجية عن توجهات الدولة تجاه القضايا الإقليمية والعالمية.
ويمكن تصنيف الثوابت في السياسة الخارجية التركية كالتالي:
2 – 2 المتغيرات في السياسة الخارجية التركية
يعرّف التغير في سياق السياسة الخارجية بأنه ظاهرة سياسية خارجية تتضمن بداخلها مجموعة واسعة من التغيرات النسبية التي تتراوح بين تغير متواضع (ويكون متكرراً) ولا يؤثر على توجهات الدولة الأساسية، أو تغييرا جذريا يتطلب إعادة هيكلة للسياسة الخارجية وإقناع الجهات الحكومية البيروقراطية والمجتمع (إن كان النظام ديمقراطيا) لإحداث هذا التغيير، ويعد هذا النوع من التغير الجذري (غير متكرر).
استعرضنا في النقطة السابقة العوامل الاساسية والثوابت في السياسة الخارجية التركية التي لم تتغير بتغير الحكومات والأزمنة، وسنستعرض هنا أهم الملفات التي تتغير ضمن اهتمامات السياسة الخارجية التركية، والتي يمكن تصنيفها لمجموعتين اقليميتين رئيسيتين: البلقان، والشرق الأوسط، وتتغير سياسات تركيا مع دول هذه المناطق بحسب المتغيرات السياسية الإقليمية والدولية، وما تعيشه تلك الدول من أحداث وما يصدر عنها من نتائج.
2 – 2 -1 الشرق الأوسط
تغيرت سياسة تركيا تجاه دول الشرق الأوسط بتغير المراحل الزمنية والحكومات التركية. ففي عهد الحزب الواحد في الخمسينات من القرن الماضي كانت العلاقات مع الدول العربية جامدة، واستمرت بالتغير بين مرحلة وأخرى بشكل نسبي حتى سقوط الاتحاد السوفيتي. وأدى وصول حزب العدالة والتنمية للحكم إلى ظهور تقارب كبير مع الدول العربية والدول الاقليمية مثل إيران. وارتفع التبادل التجاري مع عدد كبير من دول المنطقة.
2 – 2- 2 – روسيا ودول البلقان
تغيرت أولوية السياسة الخارجية التركية تجاه روسيا ودول منطقة البلقان بتغير الأحداث الدولية. ودائما ما كان العداء سيد الموقف في العلاقات التركية الروسية، ففي فترة الحرب الباردة ارتفعت وتيرة المواجهة بعدما وقفت تركيا إلى جانب المعسكر الغربي، وانضمت إلى حلف الناتو لمواجهة التمدد السوفياتي في الشرق الأوسط وآسيا. وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي وخلال فترة التسعينات، بدأت العلاقات بين تركيا وروسيا تأخذ حيزا مهما من سياستهما الخارجية، وكانت البداية عبر تنفيذ مشاريع خطوط الغاز لتصدير الغاز الروسي لتركيا. وفي فترة حكم حزب العدالة والتنمية منذ عام 2002 ارتفعت قيمة التبادل التجاري بين البلدين.
أما دول منطقة البلقان، فقد أولتها السياسة الخارجية التركية زمن الحرب الباردة أهمية كبيرة لكونها قاعدة أمامية للكتلة الغربية، واستفادت بشكل كبير من أهميتها الإستراتيجية، على الرغم من أن هذه الأهمية كانت عرضة للتقلبات التي أحدثتها التأثيرات السياسية. وارتفعت أولوية منطقة البلقان بالنسبة لتركيا خلال الحرب في البوسنة، ثم انخفضت تلك الأولوية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وانتهاء الحرب البوسنية، واستعادة الاستقرار في المنطقة.
2 – 3 استراتيجيات السياسة الخارجية التركية
استندت السياسية الخارجية التركية لثلاث استراتيجيات رئيسية نلخصها بإيجاز كما يلي.
2 – 3 – 1 الإستراتيجية الأولى: سلام في الوطن سلام في العالم
اتبعت تركيا في سياستها الخارجية استراتيجية “سلام في الوطن سلام في العالم”، لفترة طويلة من الزمن امتدت من فترة تأسيس الدولة حتى بداية الالفية الجديدة. وتعود هذه الاستراتيجية بصياغتها لمؤسس الجمهورية “مصطفى كمال أتاتورك” وهي أحد أهم الثوابت في السياسة الخارجية التركية.
اتبعت تركيا هذه الاستراتيجية التي تعني اللجوء للسلم والأساليب السلمية في العلاقات الخارجية، عبر احترام مبادئ القانون الدولي، واتبعت تركيا هذه الاستراتيجية في بداية تأسيسها من أجل المحافظة على استقلالها وحماية الدولة من الحروب التي كانت تشتعل بين القوى الكبرى في أوروبا، وعدم الدخول في تلك حروب مع أي طرف من الأطراف، التي ربما في حالة انهزامها تضعها تحت سلطة انتداب إحدى الدول المنتصرة في الحرب.
2 – 3 – 2 الاستراتيجية الثانية: استراتيجية صفر مشاكل
استراتيجية “صفر مشاكل” قام بصياغتها وزير الخارجية الأسبق أحمد داود أوغلو وتعني “تأسيس العلاقات الودية مع دول المنطقة” وتستند الى عدة مبادئ أساسية: التوازن بين الأمن والحرية ( أن تكون حرية التعبير والديموقراطية محكومة بقوانين معينة، كي لا تضر بالأمن القومي للدولة)، وعدم وجود مشاكل مع الجيران (كأنهاء المشاكل سوريا وقبرص، وتطبيع العلاقات مع أرمينيا)، وسياسة خارجية متعددة الأبعاد (بمعنى عدم الاعتماد على طرف دولي واحد، والمقصود هنا المعسكر الغربي، أنما الانفتاح على الشرق ايضاً، بما يحقق التوازن، ويضمن المصالح التركية)، وسياسة إقليمية نشطة (من خلال تعزيز العلاقات من الدول الاقليمية، وتفعيل الدور التركي الهام في المنطقة) ، وأسلوب دبلوماسي جديد (يقوم على التخلي عن الخلافات المزمنة التي تهيمن على أجندة السياسة الخارجية مما يستنزف طاقتها في العلاقات الدولية).
بدأ العمل على هذه الاستراتيجية مع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم عام 2002، وقامت الدولة التركية بعدة مبادرات استناداً لهذه الاستراتيجية، نذكر أبرزها:
حافظت تركيا على استراتيجية صفر مشاكل وعدم التدخل في الدول الاخرى حتى عام2015. ومثلت هذه الاستراتيجية “دبلوماسية القوة الناعمة”.
2 – 3 – 3 الاستراتيجية الثالثة: استراتيجية الوطن الازرق (باللغة التركية: مافي وطن Mavi Vatan)
تعود أصول “عقيدة الوطن الأزرق” التركية الى خطة وضعها الأميرال التركي جيم جوردينيز في عام 2006. والذي بلور هذه العقيدة هو الأميرال المتقاعد الأستاذ الدكتور جهاد يايجي رئيس الأبحاث البحرية والإستراتيجية لدى جامعة باهجة شهير. وتؤكد هذه العقيدة على نفوذ تركيا في البحر المتوسط ​​وبحر إيجه والبحر الأسود والتوسع فيه، من خلال الدبلوماسية الحازمة والوسائل العسكرية وتمكين الوصول إلى الطاقة والموارد الاقتصادية الأخرى، وتمثل هذه الاستراتيجية “القوة الصلبة”.
تبنى الرئيس أردوغان عقيدة الوطن الأزرق في عام 2015 كجزء من استراتيجية وطنية “للدفاع الأمامي” في سياق مساعيه المستمرة لتأكيد استقلال تركيا في جميع جوانب السياسة الخارجية لتشمل التأثير في المناطق المحيطة بها .
وضمن عقيدة الوطن الازرق، طورت تركيا من أسلحتها البحرية بشكل كبير، ويمكن الاطلاع على ملف كيف تغيرت تركيا خلال خمس سنوات الصناعات العسكرية .
تبدو تركيا حاليا أكثر استعدادا لاستخدام القوة العسكرية في تنفيذ رؤيتها وأهدافها وسياستها وفقا لهذه العقيدة،مثل نشر فرقاطات عسكرية تركية لتأمين التنقيب عن النفط في شرق المتوسط والتدخل العسكري في ليبيا ودعم الحلفاء بالقوة العسكرية مثل أذربيجان وقطر.
3 – العلاقات التركية الروسية
بالاستناد إلى الثوابت والمتغيرات في السياسة الخارجية التركية، تصنف علاقات تركيا مع روسيا بـ “المتغيرة” ، ودائما ما كان الصراع والعداء سيد الموقف في العلاقات بين البلدين. فتاريخياً ومنذ قرون خاض العثمانيون 12 حرباً ضد الإمبراطورية الروسية التي كانت تطمع بالسيطرة على أجزاء من الدولة العثمانية “مضيقي البوسفور والدردنيل” كما هو ملخص في الجدول رقم (1).
جدول رقم (1): ملخص الحروب التاريخية بين تركيا وروسيا
التسلسل | الفترة التاريخية | نتيجة الحرب |
1 | 1568–1570 | انتصار عسكري روسي |
2 | 1676–1681 | |
3 | 1686-1700 | استطاعت روسيا احتلال اجزاء من اراضي الدولة العثمانية |
4 | 1710-1711 | انتصار العثمانيين واستعادة أراضي محتلة |
5 | 1735-1739 | استطاع العثمانيون السيطرة على العديد من المناطق في بلغراد وصربيا من خلال معاهدة بلغراد |
6 | 1768-1774 | انتصار روسيا وسيطرتها على أراضي في القرم |
7 | 1787 – 1792 | انتصار روسيا، واعتراف العثمانيين بالقرم لروسيا |
8 | 1812 | ضمت روسيا مدينة بيسارابيا |
9 | 1828-1829 | احتلت روسيا إمارة الدانوب ، واستقلال اليونان عن الإمبراطورية العثمانية |
10 | 1853-1856 | انتصار العثمانيين والبريطانيين والفرنسيين .و تتنازل روسيا عن مولدوفا وتعترف بحكم القانون بالسيادة العثمانية على إمارات الدانوب |
11 | 1877-1878 | انتصار روسيا وحلفائها استقلال رومانيا وصربيا والجبل الأسود بحكم القانون واستقلال بلغاريا الفعلي عن الإمبراطورية العثمانية |
12 | الحرب العالمية الأولى 1916 | انتصار ألمانيا والعثمانين على الروس، وتوقيع معاهدة قارص: التي أعادت للدولة العثمانية أراضي كانت قد احتلتها روسيا |
بقيت المصالح متضاربة بين البلدين في العديد من الملفات، وهنا نخص بالذكر الفترة الممتدة بين عامي 2015 – 2020 ، ولاسيما بعد التوسع العسكري لروسيا في سوريا وأرمينيا، ومناطق جورجيا الانفصالية، وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وفي شبه جزيرة القرم، وأخيراً في ليبيا، مما خلق تخوفاً لدى تركيا من تطويقها عسكرياً من قبل الروس.
وخلال تصدر حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا، شكلت العلاقات الاقتصادية القوة الدافعة وراء تماسك العلاقات بين البلدين، إذ تعتبر روسيا من أهم الشركاء التجاريين لتركيا، وبلغ حجم التجارة بين الدولتين 26 مليار دولار أمريكي في عام 2019، فيما بلغت قيمة الصادرات التركية 3.854 مليار دولار أمريكي، وقيمة الواردات التركية 22.454 مليار دولار أمريكي، وتشكل موارد الطاقة أحد أهم الواردات التركية من روسيا. وتشكل مشاريع الطاقة، مثل محطة الطاقة النووية Akkuyu، وخط أنابيب الغاز TurkStream، وخط التيار الأزرق القاعدة الصلبة للعلاقات بين الدولتين. كما أن للتعاون في مجال السياحة بين تركيا وروسيا حيزاً مهمًا للعلاقات الثنائية، مع زيارة أكثر من 7 ملايين سائح روسي لتركيا عام 2019.
3 – 1 أمن البحر الأسود
يصنف أمن البحر ضمن الثوابت في أولويات السياسة الخارجية التركية.
وتتنافس كل من روسيا وتركيا بشكل مستمر على النفوذ في البحر الأسود.
تاريخياً: عملت روسيا منذ قرون إلى الوصول إلى البحار الدافئة والسيطرة على مضيقي البوسفور والدردنيل. ولتحقيق هذا الهدف خاضت سابقاً ضد الدولة العثمانية حوالي 12 حرباً (الجدول رقم ١)، لكن لم تنجح في السيطرة على تلك المضائق، بل اكتفت بعقد المعاهدات الدولية مع تركيا ودول أخرى لتنظيم مرور السفن بكافة اشكالها وانواعها، وكانت معاهدة مونتيرو الموقعة عام 1936 في سويسرا أخر معاهدة موقعة تنظم عبور السفن من المضائق، وقد وقع على الاتفاقية كل من ( تركيا، الاتحاد السوفيتي، المملكة المتحدة، اليابان، بلغاريا، فرنسا، اليونان، رومانيا، يوغسلافيا سابقاً) وأهم ما نصت عليه المعاهدة ما يلي:
تعتبر روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي الأكثر استفادت من المعاهدة بحكم أنها الدولة الأكثر امتلاكاً للسفن والغواصات البحرية والتجارية.
عارضت تركيا احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، كون ذلك سمح لها بتوسيع قدرتها ومساحتها البحرية، وتحويل التوازن الاستراتيجي لصالحها. فقد توسع الخط الساحلي لروسيا بعد احتلال جزيرة القرم من 475 كيلومترا إلى 1200 كيلومتر أي حوالي 25 في المائة من إجمالي واجهة البحر. وهذا تقريبا طول شواطئ تركيا على البحر الأسود، وهو 1785 كيلومترًا أي حوالي 35 في المائة من إجمالي الساحل. كما أصبحت روسيا بتواجدها العسكري في القرم أقرب جفرافياً إلى السواحل التركية. كما أثار الضم مخاوف تركيا بشأن تتار القرم الترك، الذين يتمتعون بعلاقات وثيقة تاريخيا مع تركيا. وقد ردت تركيا بعد ضم روسيا للقرم بحشد عسكري على سواحل البحر الأسود، وشجعت الناتو على الانتشار في البحر.
وكان لاحتلال روسيا شبه جزيرة القرم، والأزمة السياسية مع أوكرانيا، ووقوف تركيا إلى جانب أوكرانيا تداعيات استراتيجية على كلا الدولتين.
3 – 2 النزاع حول ناغورنو كاراباخ
تصنف السياسة الخارجية التركية علاقاتها مع أذربيجان ضمن الثوابت، لذلك دعمت تركيا أذربيجان في كافة المجالات فيما يخص قضية ناغورنو كاراباخ.
تدعم روسيا وتركيا طرفي النزاع الأرميني الأذربيجاني حول ناغورنو كاراباخ. فموسكو لديها اتفاق دفاعي مع أرمينيا، في حين أن تركيا لديها شراكة استراتيجية واتفاقية دعم متبادل مع أذربيجان، بحكم أن علاقة تركيا مع أذربيجان تعد أحدى الثوابت في السياسة الخارجية التركية.
وقد شهدت ناغورنو كاراباخ في أوائل أبريل 2016، أخطر تصاعد للعنف منذ توقيع أرمينيا وأذربيجان وقف إطلاق النار بتاريخ 1994. وفي العمليات العسكرية عام 2016 حقق حينها الجيش الأذربيجاني مكاسب طفيفة على الأرض، وأدت تلك العمليات العسكرية الى خسائر كبيرة للدولتين. وشهدت فترة التصعيد العسكري حربًا كلامية بين روسيا وتركيا، حيث انتقد حينها الرئيس أردوغان روسيا لانحيازها إلى الأرمن. وتزامن ذلك التصعيد مع إسقاط تركيا طائرة Su-24 الروسية ، مما زاد من توتر العلاقات بين الدولتين.
تاريخياً: تدعم روسيا أرمينيا في جميع خلافاتها ضد أذربيجان، لكن في الحرب الأخيرة بين الطرفين في أواخر 2020، تغير الأمر ولم تقدم الدعم الكافي لأرمينيا إثر مجيئ حكومة أرمنية مناوئة لروسيا بعد ثورة عام 2018. فيما دعمت تركيا حكومة أذربيجان بالاستشارات العسكرية والسلاح، وقدمت لها الدعم السياسي أيضا، وكان ذلك سبباً في استرجاع حكومة أذربيجان لعدة أقاليم محتلة.
3 – 3 الحرب السورية
بالاستناد إلى العامل الجغرافي كعامل مؤثر في السياسة الخارجية التركية، فقد حازت سوريا حيزاً كبيراً من الوية السياسة الخارجية، لانها أصبحت تشكل مصدر تهديد لها بحكم عدم الاستقرار الداخلي، وانتشار المظاهر العسكرية ذات الانتماء المختلف.
كان للتدخل الروسي التركي في سوريا دورٌ مهمٌ في إعادة صياغة علاقتهما، فقد وضعهم الصراع السوري بحالة مواجهة خلال الفترة الممتدة بين 2012 – 2016، حيث دعمت تركيا المعارضة السورية بهدف الإطاحة بالنظام السوري، في حين نشرت روسيا قواتها في سوريا بتاريخ سبتمبر 2015 لدعم النظام السوري عسكريا. وساعدت القوات الجوية الروسية قوات النظام على تغيير مسار الحرب واستعادة جزء كبير من أراضي الدولة من المعارضة. ووصلت العلاقة بين الدولتين إلى مستوى عالٍ من التوتر بسبب تضارب المصالح بالملف السوري.
أسقطت تركيا عام 2015 طائرة سوخوي روسية على الحدود السورية التركية، وتوترت العلاقة بين الدولتين بشكل أكبر، وبنفس العام استطاعت الدولتين تخطي أزمة إسقاط الطائرة، وتحسنت العلاقات بينهما وتم التنسيق فيما بينهما في الملف السوري بطرح الاتفاقيات السياسية للحل، مثل اتفاقيات ” استانة، سوتشي”.
3 – 4 العلاقات الاقتصادية
تصنف روسيا كثاني أكبر شريك اقتصادي لتركيا بعد ألمانيا، في قطاعات التجارة والبنية التحتية والنقل والطاقة والزراعة والسياحة.
في عام 2016، فرضت روسيا عدة عقوبات اقتصادية على تركيا أدت لتراجع التجارة بين الدولتين بنحو الثلث، من 23.9 مليار دولار في عام 2015 إلى 16.8 مليار دولار في عام 2016. و شهد قطاع السياحة الركود الأكبر ومن ثم قطاع العقارات، بخسارة لا تقل عن 10 مليارات دولار ، أي ما يزيد عن 1 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي.
فيما استمرت صادرات الغاز الروسي التي تمثل الجزء الأكبر من التجارة الإجمالية بين الدولتين دون قيود.
رفعت روسيا في أواخر عام 2016 معظم العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على تركيا بعد إسقاط الطائرة، وزادت التجارة بين الدولتين بنسبة 37٪ في النصف الأول من عام 2018، على أساس سنوي، لتصل إلى 13.3 مليار دولار. وارتفعت الصادرات التركية إلى روسيا بنسبة 47 بالمئة، بينما ارتفعت الواردات من روسيا بنسبة 36 بالمئة. وتم إعادة تفعيل مشروع التيار التركي، وبناء محطة Akkuyu للطاقة النووية من أجل توليد الكهرباء.
كما أنشأت روسيا وتركيا صندوقا مشتركا لترتيب علاقاتهما الاقتصادية، وكان الهدف من هذا الصندوق تعزيز التبادل التجاري من خلال العملات المحلية بدلاً من الدولار.
عززت تركيا تعاونها الدفاعي العسكري مع روسيا بتوقيع عقدٍ مع شركة الأسلحة الروسية المملوكة للدولة “Almaz Central Design Bureau”، في 29 ديسمبر 2017، لتوريد بطاريتين من صواريخ S-400. الأمر الذي رفضته دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
4 – العلاقات التركية الأمريكية
على مدار العقود الماضية وحتى كتابة هذه الدراسة تصنف تركيا علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية بالاستراتيجية، وضمن الثوابت التي حددتها في سياستها الخارجية. لكن في الفترة الاخيرة شهد البلدان خلافات عدة، لاسيما في الفترة ما بعد انقلاب عام 2016، وأصبح التوتر بين البلدين سيد الموقف في عدة ملفات ابعدتهما ولو شكلياً عن مسار علاقتهما التقليدية كعضوين في حلف الناتو. ونسرد أبرز ملفات الخلاف كالتالي:
4 – 1 الملف الأول: اعتقال القس الأمريكي
ارتفعت وتيرة التوتر بين الدولتين مع اعتقال السلطات التركية “أندرو برونسون”، القس الأمريكي الذي يعيش في تركيا منذ حوالي عشرين عاما، وكان يعمل في كنيسة قيامة إزمير. ووجهت إليه تهمة التجسس وارتباطه بشبكة غولن وحزب العمال الكردستاني في أكتوبر 2016، فرضت على أثرها وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على وزيرين في الحكومة التركية.
في أغسطس 2018، وبعد عدة جولات من الدبلوماسية غير الناجحة بين الدولتين من أجل الإفراج عن القس، ترافقت مع أعلن ترامب سياسة اقتصادية جديدة على واردات الألومنيوم والصلب التركية، التي رفضتها الحكومة التركية باعتبارها منافية للسوق الحرة الدولية.
ووصلت بوادر انعدام الثقة بين تركيا والولايات المتحدة الامريكية إلى ذروتها بعد اعتقال الشرطة التركية مواطنين أمريكيين و أتراك يعملون في القنصلية الأمريكية، لصلتهم بحركة غولن بحسب تصريح السلطات التركية. وفي أكتوبر 2018 تم الإفراج عن برونسون وإعادته إلى الولايات المتحدة وعلى إثرها تم رفع العقوبات جزئيا عن تركيا بعدما تسببت بتدهور العلاقات بين الدولتين.
4 – 2 الملف الثاني: المطالبة بتسليم غولن
يعيش فتح الله غولن في الولايات المتحدة منذ عام 1999، ويعتبر غولن وجماعته المتهم الأول في عملية الانقلاب العسكري عام 2016، وبعد فترة من محاولة الانقلاب، صرحت الحكومة التركية أن فتح الله غولن و حركته نظموا محاولة الانقلاب، وطالبت أمريكا بتسليمها أياه ورفضت الاخيرة مراراً طلب تركيا، مما زاد من حدة التوتر بين الدولتين.
4 – 3 الملف الثالث: أزمة منظومة S400
رفضت الولايات المتحدة الأمريكية مطالبات تركية من أجل عقد صفقة شراء أنظمة صواريخ الدفاع الجوي “باتريوت” الأمريكية، مما دفع تركيا التوجه نحو روسيا بهدف الحصول على أنظمة صواريخ الدفاع الجوي S400.
عارضت أمريكا شراء تركيا لصواريخ S400 لأن نظام الصواريخ لن يكون قابلاً للتشغيل المتبادل مع أنظمة دفاع الناتو، مما يخلق نقطة ضعف في دفاعات الناتو. وتقول الولايات المتحدة أن لديها مخاوف من إمكانية قيام منظومة S400 من جمع معلومات عن الجيل القادم من الطائرات المقاتلة F-35. ردت تركيا بأن النظام الصاروخي ضروري لحماية مجالها الجوي.
واتخذت أمريكا قراراً يقضي بإنهاء مشاركة تركيا في تصنيع وشراء طائرة F-35، رداً على إتمامها صفقة S-400، كما هددت بفرض عقوبات اقتصادية عليها.
4 – 4 الملف الرابع: الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب الديمقراطي في سوريا (قسد)
تدعم الولايات المتحدة الامريكية وحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرق سوريا (YPG)، التي تصنفها تركيا ميليشيا لها علاقات وثيقة مع حزب العمال الكردستاني (PKK)، المصنف إرهابيا من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وتُعبر تركيا بشكل مستمر عن غضبها وتنديدها تجاه دعم أمريكا لمليشيات (YPG) وحدها لقتال تنظيم داعش. وتقول تركيا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعر أي اهتمام لمخاوف الأمن القومي لديها بالشراكة مع “وحدات حماية الشعب” في سوريا.
بلغت التوترات بين الولايات المتحدة وتركيا ذروتها بعد العمليات العسكرية التركية التي نفذتها القوات التركية ضد وحدات “قسد” في مناطق شمال غرب سوريا بمدينة عفرين عام 2018، وشمال شرق سوريا بمدينتي جرابلس ورأس العين عام 2019.
وقد بررت أمريكا موقفها الرافض من العمليات العسكرية التركية على “قسد”، بأن تلك العمليات ستصرف الانتباه عن القتال ضد داعش. في حين تبرر تركيا عملياتها العسكرية بالحفاظ على أمنها القومي بإنشاء ممر بعمق 32 كيلو مترًا وطول 480 كيلو مترًا (20 ميلاً وطول 300 ميل) داخل سوريا على طول الحدود لحماية أمنها. وتقول أنها تخطط لإعادة توطين ما يقارب 3.6 مليون لاجئ سوري داخل المنطقة الآمنة، ومنع تشكيل حزام أمني ارهابي يستهدف الاراضي التركية.
4 – 5 وجهة النظر الأمريكية في المواجهات التركية الروسية
تصطف كل من تركيا وروسيا على جانبين متعارضين في عدة مناطق تسود فيها النزاعات العسكرية مثل سوريا، ليبيا وناغورنو كاراباخ في أذربيجان.
هناك رؤى مختلفة في تفسير الرؤية السياسية الأمريكية حول ملفات المواجهة بين تركيا وروسيا. يرى البعض أن تركيا حليف في الناتو ويمكن تصنيفها كموازن للتواجد الروسي في منطقة الشرق الأوسط، ويميلون إلى الاعتقاد بأن المعارضة المشتركة لروسيا يمكن أن تكون أساسا لإحياء العلاقات الأمريكية التركية المتعثرة. وفي تأكيد لهذه الرؤية جاءت تصريحات السفير الأمريكي السابق جيمس جيفري، الذي شغل منصب الممثل الخاص لوزير الخارجية مايك بومبيو في سوريا والمبعوث الخاص للتحالف الدولي لقتال داعش، في أعقاب الاشتباكات التركية مع القوات السورية في إدلب بسوريا عام 2020، حيث أشاد جيفري بالدور التركي في إدلب، وتحدث جيفري عن إمكانية تقديم دعم مادي من الولايات المتحدة أو الناتو لمهمة تركيا العسكرية في سوريا، وهذا يمكن تفسيره بأن تركيا تمثل ثقلاً موازيا لروسيا.
ثمة رأي آخر يعتقد بأن تركيا خارجة عن السيطرة، وتتجه نحو الشراكة مع روسيا في عدد من الملفات. من هذا المنظور أدى العدد المتزايد من مجالات المنافسة الروسية التركية إلى مزيد من التنسيق الثنائي الروسي التركي، وبالتالي إلى علاقات روسية تركية أقوى، مما أبعد تركيا (نوعا ما) عن التوجه الغربي.
5 – علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي
علاقة تركيا مع دول الاتحاد الأوروبي هي علاقة عضوية، وذات منفعة متبادلة، ويشترك الطرفان في العديد من المسائل التي تخص أمنهم القومي، وبما أن تركيا عضو في العديد من المؤسسات الأوروبية، فهي تعتبر علاقتها بالاتحاد الأوروبي أحد الثوابت في سياستها الخارجية على الرغم من الخلاف الذي طرأ في الآونة الاخيرة بين الطرفين.
فقد قال رئيس الوزراء الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة مع صحيفة كاثيميريني اليونانية في زيارته إلى أثينا في سبتمبر 2017، إن “تركيا قد ابتعدت بالفعل عن الاتحاد الأوروبي في الفترة الأخيرة، لكنني أريد تجنب الانقسام لأنها شريك حيوي في العديد من الأزمات التي نواجهها جميعا، لا سيما تحدي الهجرة والتهديد الإرهابي”. يدل تصريح ماكرون هذا على موقف عدد كبير من دول الاتحاد الأوروبي من تركيا. على الرغم من العلاقات المتوترة، فلا تزال تركيا شريكا مهما في الهجرة والأمن، وكذلك الاقتصاد مع الاتحاد الأوروبي.
بحسب مجريات الأحداث الدولية بين عامي 2015 – 2020 لعبت أربع ملفات دوراً كبيراً في رسم العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا على الشكل التالي:
5 – 1 ملف شرق البحر المتوسط وأمن الطاقة:
اتخذ المجلس الأوروبي موقفا ضد اتفاق تركيا وليبيا بخصوص ترسيم الحدود المائية بين الدولتين في ديسمبر 2019، معلناً أنه ينتهك الحقوق السيادية للدول التي تمثل الطرف الثالث (أي قبرص واليونان) وأن الاتحاد الأوروبي يؤكد بشكل كبير تضامنه مع قبرص واليونان فيما يتعلق بهذه الإجراءات من جانب تركيا.
في عام 2019، صعدت تركيا من إجراءاتها الامنية بإرسال سفن وزوارق بحرية عسكرية إلى جانب سفن التنقيب والحفر في شرق المتوسط. وقد أثار هذا التصعيد معارضة شديدة من جانب الاتحاد الأوروبي، والتهديد بفرض عقوبات اقتصادية شديدة على تركيا.
ووافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 13 يوليو 2020، بناء على طلب قبرص، إعداد قوائم في إطار العقوبات على تركيا جراء عمليات التنقيب والكشف التي تقوم بها في شرق البحر المتوسط. وطالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تاريخ 23 يوليو 2020 بفرض عقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي على تركيا بسبب سياساتها في منطقة شرق البحر المتوسط، وقال “أنا أقف بشكل كامل وراء قبرص واليونان في مواجهة الانتهاكات التركية لسيادتهما”. كما قامت فرنسا بتوقيع اتفاقية مع قبرص الجنوبية لخدمة السفن الحربية الفرنسية في قاعدة ماري البحرية القبرصية. وأمر الرئيس الفرنسي القوات الفرنسية في شرق البحر المتوسط ​​بتقديم مساعدة عسكرية لليونان، ونشرت فرنسا للمرة الأولى مقاتلات رافال للمساعدة في القيام بدوريات عسكرية في المنطقة الاقتصادية الخالصة القبرصية بموجب اتفاقية تعاون عسكري.
فيما دعا وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى وقف التوتر المتصاعد بين اليونان وتركيا محذرا من كارثة. وقال لا يزال هناك استعداد للحوار بين الدولتين لأن الجانبين لا يريدان تسوية نزاعهما بالوسائل العسكرية.
أدى تقارب السياسة الفرنسية والإيطالية (وحتى الألمانية بدرجة أقل) بدعم اليونان وقبرص الرومية إلى وضع سياسة الاتحاد الأوروبي في شرق البحر المتوسط ​​بقوة ضد المصالح التركية وحقوقها في مياهها الاقتصادية الخالصة.
5 – 2 ملف قضية اللاجئين
شهدت تركيا تدفقاً غير مسبوق للاجئين من سوريا ومن بلدان أخرى والذي تجاوز عددهم 3.7 مليون حتى تاريخ كتابة هذه الدراسة. وشكلت تركيا جسراً لعبور الكثير من اللاجئين إلى دول الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي دفع الاخيرة إلى رسم خطة عمل مشتركة مع تركيا في أكتوبر 2015 وتم تفعيلها في قمة الاتحاد الأوروبي وتركيا في 29 نوفمبر 2015. وتهدف خطة العمل إلى تنظيم تدفقات الهجرة، ووقف الهجرة غير النظامية. كما أعاد الاتحاد الأوروبي وتركيا التأكيد على التزامهما المشترك بإنهاء الهجرة غير النظامية من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في بيانهم المشترك الصادر في 18 مارس 2016، الذي يتضمن كسر نموذج أعمال المهربين وتقديم بديل للمهاجرين الذين تتعرض حياتهم للخطر .
كان مستقبل اللاجئين في تركيا لاسيما السوريين موضوع حوار دائم بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لأكثر من أربع سنوات. وافق خلالها الاتحاد الأوروبي على دفع مبلغ قيمته 6 مليارات يورو للحكومة التركية لدعم اللاجئين السوريين في تركيا. وتطالب تركيا بشكل دائم بدعم أكبر، لما تحتاجه عملية احتضان اللاجئين من متطلبات الاندماج والدعم المادي، والتعليمي. وهناك العديد من المواقف التي أعربت عنها بعض الأحزاب السياسية الأوروبية بأن على تركيا ألا تتحمل العبء بمفردها، ويجب توسيع التدابير المالية المدرجة في صندوق دعم اللاجئين.
5 – 3 العلاقات الاقتصادية
ترتبط تركيا والاتحاد الأوروبي بجملة من المصالح الاقتصادية ذات المنفعة المتبادلة. ويوجد بين الطرفين اتحاد جمركي يسمح بنقل البضائع بشكل حر.
وتصنف تركيا كخامس أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، وسوق تصدير ومزود للواردات. كما يعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك الأول لتركيا في مجال الاستيراد والتصدير، فضلاً عن كونه مصدرا للاستثمارات. وتعتبر السوق الاوروبية سوقاً رئيسية للتصدير بالنسبة لتركيا وتشكل(42.4٪) من إجمالي الصادرات، وتستورد تركيا من الأسواق الاوروبية بنسبة (32.3٪) من إجمالي الواردات.
الجدول رقم(2) حجم التبادل التجاري بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي ( بالمليار دولار)
العام | واردات تركيا من الاتحاد الأوروبي | صادرات تركيا إلى الاتحاد الأوروبي |
2016 | 72.4 | 55.7 |
2017 | 76.7 | 61.4 |
2018 | 69.2 | 68.8 |
2019 | 68.3 | 69.8 |
تراجعت واردات تركيا من الاتحاد الأوروبي، في عام 2019 انخفضت بنسبة 1.3٪، وفي العام ذاته ارتفعت نسبة الواردات الاوروبية من تركيا وبلغت 4.4٪. وذلك مقارنة بعام 2018 ، ويرجع ذلك إلى اعتماد وتطور الصناعات التركية، وإنتاجها للعديد من السلع التي كانت تستوردها تركيا مسبقاً . ويوضح الجدول رقم (1) حجم التبادل التجاري بين الطرفين، كما يُظهر الجدول نمو صادرات تركيا، وانخفاض وارداتها من الاتحاد الأوروبي.
5 – 4 مكافحة الإرهاب
تتجه أولويات حكومات الاتحاد الأوروبي إلى مكافحة الإرهاب، وهو مجال تغطيه بالفعل برامج التعاون بين الحكومات الأوروبية وتركيا على الرغم من اختلاف أولويات الجانبين، ويظل التعاون في مجال مكافحة الإرهاب بين الطرفين على رأس جدول أعمال الحكومات الأعضاء المعنية في تركيا والاتحاد الأوروبي.
القضية الأمنية الأهم التي شغلت الطرفين في السنوات الخمس الأخيرة، هي قضية مئات من الجهاديين المنتمين لداعش وعائلاتهم والمحتجزين لدى وحدات حماية الشعب الكردية، وبعض منهم تم القبض عليهم على الحدود السورية التركية وهم في السجون التركية، ويحملون جوازات سفر أوروبية، فيما تحاول العناصر التي مازالت في سوريا على الأرجح العودة إلى دولهم في الاتحاد الأوروبي عبر تركيا.وقد فرض التهديد الأمني القادم من عناصر داعش على كل من تركيا والاتحاد الأوروبي التعاون أمنياً بما يخدم مصلحة الطرفين، ويمنع وقوع أي عمليات إرهابية.
6 – العلاقات التركية السعودية
شهدت العلاقات التركية السعودية في الفترة الممتدة بين عامي 2015 – 2020، عدة تطورات فيما يتعلق بأكثر من ملف، وكان ملف حصار قطر، واغتيال الصحفي السعودي في القنصلية السعودية في اسطنبول” جمال خاشقجي” من أبرز الملفات التي أثرت على العلاقات بين الدولتين في الفترة الأخيرة. وفي فترة ما قبل حصار قطر. وبتاريخ 13 مارس 2015 أعرب الرئيس التركي عن استعداد تركيا لدعم تحالف عاصفة الحزم لوجستيا واستخبارياً، وفي كل ما تحتاجه الدول المشاركة. وأعلن أردوغان أن بلاده يمكن أن تقدم مساعدة لوجستية للسعودية في العملية العسكرية في اليمن ضد الحوثيين .
في تاريخ 14 ابريل 2016 وقّع وزير الخارجية التركي ونظيره السعودي على اتفاقية تأسيس “مجلس تنسيق استراتيجي”، الهدف منها تعزيز 8 قطاعات بما في ذلك الزراعة والجيش والثقافة ومكافحة الإرهاب اضافة الى العلاقات الدبلوماسية .
وبعد ستة أشهر من محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016، قام الرئيس أردوغان بجولة في الخليج ابتدأها بالمملكة العربية السعودية والبحرين.
ثم حدث تباعد واضح بين السعودية وتركيا في يونيو 2017 على خلفية أزمة حصار قطر والانحياز التركي لها، علاوة على بناء تركيا قاعدة عسكرية في قطر، وهو ما أثار حفيظة السعودية، وانعكس بشكل سلبي على العلاقات الاقتصادية بين الدولتين.
في عام 2020، ظهرت مقاطعة سعودية غير رسمية للبضائع التركية حيث رفضت العديد من الشركات السعودية التعامل مع تركيا، خاصة بعد أن شجعت غرفة التجارة السعودية المرتبطة بالحكومة على المقاطعة.
وفي العام ذاته أجرى الملك سلمان في 20 نوفمبر 2020، اتصالا هاتفيا مع الرئيس رجب طيب أردوغان لدعوته لحضور قمة العشرين الاقتصادية التي أقيمت في السعودية، وناقش الطرفان كيفية تحسين العلاقات المتوترة بين البلدين.
7 – العلاقات التركية الإماراتية
صُنفت الإمارات العربية المتحدة سابقاً من بين أكبر الشركاء التجاريين العرب لتركيا، وكانت مصدرا رئيسيا للاستثمار الأجنبي المباشر، وبحسب الاحصائيات، فقد انخفضت تجارة تركيا مع الإمارات بشكل حاد بعد عام 2017 بنسبة 66٪ في الصادرات، وبنسبة 32٪ في الواردات عام 2017.
وتؤشر ثورات الربيع العربي لبوادر الخلاف بين الدولتين، حيث وقفت تركيا إلى جانب ما سميت بـ “الثورات العربية”، فيما اتخذت الإمارات موقفاً معارضاً لتلك الثورات، ودعمت الثورات المضادة.
واشتدت الخلافات بين الطرفين مع احتضان تركيا لشخصيات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، التي حاربتها الإمارات سياسياً واعلاميا في عدة دول. واتسع الصدع بين البلدين في الملف الليبي، حيث وقفت تركيا إلى جانب حكومة الوفاق المعترف بها دولياً ودعمتها عسكرياً وسياسياً، بينما دعمت الإمارات قوات خليفة حفتر عسكرياً ومالياً ، وشهد الملف الليبي أوسع حالة خلاف بينهما. إلى جانب ملف حصار قطر ووقوف تركيا الصريح إلى جانبها.
كما وقفت الإمارات ضد المصالح التركية في شرق البحر المتوسط، ونظمت مناورات عسكرية مع اليونان في البحر المتوسط. وتشير وسائل الإعلام التركية دائما الى أن للإمارات دورٌ في الانقلاب الفاشل عام 2016، إضافة الى الدعم الإماراتي لوحدات حماية الشعب الكردية في سوريا بمليارات الدولارات.
8 – العلاقات التركية الإيرانية
تمكنت تركيا وإيران على مدى السنوات الماضية من فصل علاقاتهما الاقتصادية عن منافستهما الإقليمية التي شكل العداء الصفة الأبرز فيها، الامر الذي ساهم بضبط السياسات المتبادلة بين الطرفين جزئيا لحماية مصالحهما الاقتصادية المشتركة.
إذ تنظر تركيا إلى إيران كمصدر استراتيجي لإمدادات النفط الخام والغاز الطبيعي الهام لتحقيق أمن الطاقة وسياسة التنويع. كما أن عدد سكان إيران الكبير يجعلها سوقا مهمة لصادرات تركيا.
يشترك الأتراك مع الإيرانيين بمعارضتهما استقلال كردستان شمال العراق، وإنشاء دولة كردية. وعلى الرغم من انتقادات إيران للتدخلات التركية في العراق إلا أنها لا تبدي أي اعتراض عندما تشن تركيا عملية عسكرية ضد مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق .
بدأت العلاقة بين البلدين بالتوتر مع بداية الثورة في سوريا عام 2015، حيث ساندت إيران نظام الأسد عسكريا وسياسياً، فيما وقفت تركيا إلى جانب المعارضة السورية، وسعى كل طرف إلى تقويض وإدانة سياسة الطرف الآخر على في سوريا.
ثم حدث تقارب بين البلدين إثر معارضة إيران محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا عام 2016، كما انتقدت تركيا الاحتجاجات في إيران عام 2018، و عارضت في العام نفسه العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.
وإثر ذلك زاد التعاون بين الطرفين على الرغم من الخلافات بينهما في الملف السوري، ففي عام 2017، إجتمع الأتراك مع الإيرانيين بمعية الروس في الاجتماع الثلاثي في سوتشي، ومن ثم في استانة لرعاية مفاوضات بين المعارضة السورية والنظام.
9 – العلاقات التركية المصرية
توترت العلاقات التركية المصرية بعد أحداث الانقلاب العسكري عام 2013, والذي نفذه الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي. حينها عارضت تركيا بشدة الانقلاب على الحكومة المنتخبة، وعلى الرغم من حدة التوتر بين البلدين، فقد حافظا على العلاقات الدبلوماسية بمستوى القائم بالأعمال .
تشترك تركيا ومصر بروابط اقتصادية، وتصنف مصر الشريك التجاري الرئيسي لتركيا في القارة الأفريقية، وطوال فترة الازمة السياسية بين الطرفين لم تنخفض قيمة التبادل التجاري بين البلدين على العكس تماماً، فقد سجلت ارتفاعاً من عام 2015 إلى عام 2019 كما موضح في الجدول رقم (3) الصادرات والواردات التركية إلى مصر بين عامي 2015 – 2019.
الجدول رقم (3) جدول الصادرات والواردات التركية إلى مصر بين عامي 2015 – 2019
العام | الصادرات التركية إلى مصر | الواردات التركية من مصر |
2015 | 2.2 مليار دولار | 863 مليون دولار |
2016 | 2 مليار دولار | 706 مليون دولار |
2017 | 1.8 مليار دولار | 909 مليون دولار |
2018 | 1.9 مليار دولار | 1.1 مليار دولار |
2019 | 2.6 مليار دولار | 1 مليار دولار |
ازداد التوتر بين البلدين بعد توقيع تركيا معاهدة ترسيم الحدود المائية مع ليبيا عام 2019، التي رفضتها الحكومة المصرية، وردت مع اليونان بتوقيع معاهدة ترسيم حدودهما المائية بشكل مناقض تماماً للترسيم الذي حددته تركيا مع حكومة الوفاق الليبية.
وارتفعت حدة التوتر بعد تدخل تركيا عسكرياً إلى جانب حكومة الوفاق، التي حققت تقدما كبيراً على حساب خليفة حفتر بعد دعم وإسناد تركي بالسلاح. حينها كانت مصر تدعم الجنرال المتمرد خليفة حفتر.
بدأت ملامح جديدة للعلاقة بين البلدين مع بداية 2021 بعدما أصدرت تركيا في منتصف مارس 2021 تعليمات لقنوات تلفزيونية تديرها المعارضة المصرية في اسطنبول للتخفيف من حدة انتقادها لنظام السيسي. وفي أوائل مايو 2021 قام وفد تركي بزيارة إلى القاهرة، والذي يشير إلى بداية جديدة في العلاقات بين تركيا ومصر.
يمكن تفسير ملامح عودة العلاقات التركية المصرية نتيجة للتحولات الدولية، ولاسيما الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط، وقد ينتج عن تلك التحولات الانسحاب الأمريكي من المنطقة، الذي من الممكن أن يخلف ورائه فراغاً أمنياً قد يتخلله انتشار للميليشيات العابرة للحدود والتي تهدد أمن الدول.
10 – العلاقات التركية الليبية
بدأت العلاقات التركية الليبية مع أول زيارة لرئيس وزراء تركيا لليبيا “بولند أجاويد” عام 1979 في عهد “معمر القذافي”، ووقعا حينها البلدان عددا من الاتفاقيات الاقتصادية بمجالات متعددة. وفي عام 1987 زار رئيس الوزراء التركي كنعان ايفرت ليبيا أسفرت عن توقيع اتفاقيات أخرى لتعزيز التبادل التجاري. واستمرت العلاقات بين البلدين في التطور حتى وصلت لأعلى مستوياتها في أواخر التسعينيات وبداية الالفية الثالثة. ووصل التبادل التجاري بين البلدين عام 2010 إلى 9.8 مليار دولار. وأعلنت ليبيا حينها أنها ستمنح تركيا استثمارات بقيمة 100 مليار دولار .
مع قيام الثورة ضد القذافي، أعلنت تركيا عن موقفها الرسمي الداعم للثورة ومطالب التغيير السياسي. وبعد سقوط نظام القذافي، وانتشار الفوضى الداخلية بين عامي 2012 – 2015، والمليشيات، وقفت تركيا إلى جانب حكومة الوفاق الشرعية والمعترف بها من الأمم المتحدة ومقرها طرابلس ضد اللواء الانقلابي خليفة حفتر .
واستناداً لاستراتيجية الوطن الازرق (باللغة التركية: Mavi Vatan) التي تبنتها السياسة الخارجية التركية كما شرحنا في القسم الأول من الدراسة، والتي تقوم على حماية الحقوق التركية في المياه الإقليمية. وقعت تركيا مع حكومة الوفاق عام 2019 معاهدة ترسيم الحدود المائية (المنطقة الاقتصادية الخالصة ) في شرق المتوسط. التي حفظت فيها كل من تركيا وليبيا حدودها المائية. (للاطلاع أكثر يمكن الإطلاع على دراستنا كيف تغيرت تركيا خلال خمس سنوات، القواعد والتدخلات العسكرية الخارجية) وتدخلت عسكريا في ليبيا عام 2019 بعد شن قوات حفتر المدعومة من عدة جهات دولية عمليات عسكرية ضد حكومة الوفاق، بهدف السيطرة على طرابلس العاصمة وإسقاط الحكومة. لكن مساهمة القوات البحرية والبرية التركية مدعومة بالطائرات بدون طيار مكنت حكومة الوفاق من صد هجمات قوات حفتر واعادة السيطرة على العديد من المدن والمناطق الواقعة على خط الساحل الغربي، بالاضافة لاعادة السيطرة على عدد من القواعد العسكرية الاستراتيجية في ليبيا.
وحافظت تركيا على مصالحها السياسية والاقتصادية بعد تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا في عام 2021. كما وقعت العديد من الاتفاقيات التجارية في عدة مجالات.
11 – مقارنة لمسار العلاقات التركية الخارجية قبل عام 2015، وفي عام 2019
مسار العلاقات الخارجية التركية قبل عام 2015 | مسار العلاقات التركية الخارجية بعد عام 2015 | |
العلاقات التركية الروسية | علاقات متوترة | تقارب وتهدئة، وتنسق بين الدولتين في عدة ملفات مع ارتفاع مؤشر التبادل التجاري بين البلدين |
العلاقات التركية الأمريكية | تنسيق عالي بين الدولتين في كافة الملفات | خلافات حول الموقف من قسد، ملف شرق البحر المتوسط، وأزمة صواريخ S400 الروسية |
العلاقات التركية مع الاتحاد الأوروبي | تنسيق شبه كامل على كافة الأصعدة ( السياسية، والاقتصادية، والأمنية…. الخ) | خلافات حول قضية اللاجئين، ملف شرق البحر المتوسط والملف الليبي |
العلاقات التركية مع السعودية | توافق حول الملف السوري والموقف من الحوثي في اليمن | توتر شديد في العلاقات بدأ مع أزمة حصار قطر. |
العلاقات التركية الإماراتية | توتر منذ الانقلاب العسكري في مصر | تزايد الخلافات حول عدة ملفات مثل حصار قطر، ليبيا ودعم الإمارات اليونان في شرق المتوسط |
العلاقات التركية الإيرانية | خلاف حول الملف السوري | تقارب وتنسيق أكثر في الملف السوري |
العلاقات التركية المصرية | توتر حاد بين البلدين، نتيجة لعدة خلافات بدأت بالإنقلاب على محمد مرسي | بدأ البلان بتبادل الوفود والمفاوضات لحل الخلافات |
العلاقات التركية الليبية | الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية | التدخل ودعم حكومة الوفاق سياسياً وعسكرياً |
12 – الخلاصة
تغيرت السياسية التركية الخارجية بشكل ملحوظ خلال الخمس سنوات الأخيرة مع تبني عقيدة الوطن الأزرق إضافة لاستراتيجية الصفر مشاكل واستراتيجية سلام في الوطن وسلام في العالم. على المستوى الدولي، حصل خلاف حول بعض الملفات بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية لاسيما فيما يخص ملف شراء تركيا صواريخ S400 وتقاربها مع روسيا، وكانت الخلافات شديدة إلى حد ما ،إلا أن تركيا حافظت على علاقات استراتيجية مع أمريكا.
فيما يتعلق بالعلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، شهدت العلاقات بين الطرفين خلال السنوات الخمس الأخيرة تذبذبا وخلافات عدة، خاصة فيما يتعلق بملفات ترسيم الحدود المائية شرق البحر المتوسط، والملف الليبي، وملف التعامل مع قضية اللاجئين، إلا أن العلاقات الاقتصادية لم تتأثر بين الجانبين، حيث تلعب التجارة ونقل التكنولوجيا أدوارا مهمة في كلا الاتجاهين، اضافة الى التفاوض حول ملف الهجرة.
تبقى علاقة تركيا كحليف استراتيجي مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية من الثوابت في سياستها الخارجية، وتحت مظلة حلف الناتو، على الرغم من التباينات الشديدة حول عدد من الملفات في منطقة الشرق الأوسط.
بالرغم من العداء التاريخي بين تركيا وروسيا، إلا أنهما تقاربا في بعض القضايا الاقليمية، وحققا تبادلا تجاريا مرتفعا. وتم التنسيق بين الدولتين في العديد من القضايا على الرغم من خلافاتهما حول الأهداف والمصالح في القضايا ذاتها مثل الملف السوري، أذربيجان، أمن البحر الأسود وليبيا. لكن الخلافات القائمة بين الدولتين والعداء التاريخي والتنافس حول السيطرة على البحر الأسود يجعل من العلاقة بين الدولتين عاملا متغيرا (بالنسبة للسياسة الخارجية)، ولا يمكن أن تصل إلى مرحلة العلاقات الاستراتيجية.
على المستوى الإقليمي، توترت العلاقات التركية مع السعودية والإمارات بعد وقوف تركيا الى جانب قطر في الحصار الذي فرض عليها ، وبدرجة أكبر مع الإمارات بسبب الخلاف حول عدة ملفات أخرى، انخفضت على أثره العلاقات الاقتصادية المتبادلة بين البلدين.
في العلاقات التركية الإيرانية، انتقلت تركيا للتنسيق مع إيران بعد مرحلة من التنافس على النفوذ في سوريا، تبعها عدة تطورات في الداخل السوري.
13 – ملحق الدراسة
نوجز بهذا الملحق العلاقات التركية الخارجية مع بعض الدول كالتالي.
13 – 1 العلاقات التركية الصينية
تستند علاقة تركيا بالصين إلى استراتيجية “صفر مشاكل” التي قام بصياغتها وزير الخارجية الأسبق أحمد داود أوغلو التي ركز بأحد مبادئها على اتباع سياسة خارجية متعددة الأبعاد (بمعنى عدم الاعتماد على طرف دولي واحد، والمقصود هنا المعسكر الغربي، أنما الانفتاح على الشرق ايضاً، بما يحقق التوازن، ويضمن المصالح التركية). وهذا يتحقق من خلال تعزيز العلاقة مع الصين باعتبارها أهم دول الشرق اقتصاديا وعسكريا فضلا عن عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي. لذا سعت تركيا لتعزيز العلاقات المشتركة معها، لاسيما أنه لايوجد خلاف استراتيجي او حول مصالح ذا أهمية سياسية كبيرة بين البلدين، إذا ما استثنينا التوتر الذي حصل بين البلدين فيما يتعلق بقضية الإيغور، حيث توترت العلاقات بينهما بسبب انتهاكات الحكومة الصينية لحقوق الإنسان ضد عرقية الإيغور الاتراك المسلمين المقيمين شرق الصين. وقدمت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية في حقوق الإنسان في 2018 تقريراً حمل العديد من التفاصيل حول حملة الحكومة الصينية من “الاعتقال التعسفي الجماعي والتعذيب والتلقين السياسي القسري والمراقبة الجماعية لمسلمي شينجيانغ في شرق الصين”. وقد وقفت تركيا ضد هذه الأعمال و استقبلت على اراضيها عدداً كبيراً من الايغور.
شهدت العلاقات الثنائية تطوراً مهما عام 2010 بعد عدة زيارات رسمية، وتم تصنيف علاقة البلدين إلى مستوى “التعاون الاستراتيجيى. وتحسنت العلاقات الثنائية الاقتصادية والسياسية بشكل أكبر بعد طرح الصين مبادرة الحزام والطريق ( طريق الحرير) التي أعلنها شي جين بينغ، ووقع على المبادرة عام 2015. وتركيا بموقعها الجيواستراتيجي ستكون من أهم الدول على طريق الحزام، ويمكن الاطلاع أكثر بشأن مشروع طريق الحزام ودور تركيا فيها من خلال دراستنا مبادرة الصين للحزام والطريق الواحد على الرابط التالي http://ayam.com.tr/ar/دراسات/مبادرة-الصين-للحزام-والطريق-الواحد-2/
في الشأن الاقتصادي بلغ حجم التجارة بين الصين وتركيا حوالي 24 مليار دولار في عام 2020. وبزيادة الصادرات التركية خلال الخمس السنوات الاخيرة إلى الصين انخفض عجز التجارة الخارجية بمقدار 7% الذي كان لصالح الصين. وقامت كبرى شركات تصنيع الهواتف الذكية الصينية مثل Xiaomi و Oppo و Vivo باستثمارات مباشرة في تركيا.
وتدرك تركيا أهمية الصين السياسية والاقتصادية، لذلك عملت الدولة على تعزيز العلاقات معها على كافة المستويات، حيث قام الرئيس أردوغان بأربع زيارات رسمية للصين في الأعوام 2012 و2015 و 2017 و 2019.
13 – 2 العلاقات التركية الماليزية
وطدت العلاقات التركية الماليزية تحت قيادة رئيس الوزراء التركي السابق نجم الدين أربكان، حيث زار ماليزيا عام 1996 وعقد عدة اتفاقيات في نطاق صناعة الدفاع والعلاقات الاقتصادية والثقافية.
ولأهمية ماليزيا كدولة حققت تنمية اقتصادية وبوابة لتركيا إلى جنوب شرق آسيا قام الرئيس أردوغان (الذي كان رئيسا للوزراء حينها) بزيارتها في عام 2003، وهو نفس العام الذي تولى فيه الرئيس أردوغان للسلطة، وبلغت في تلك الفترة العلاقات بين ماليزيا وتركيا ذروتها في جميع المجالات. وبنفس العام ارتفعت قيمة المبادلات الاقتصادية بين البلدين من 396 مليون دولار إلى 1 مليار دولار.
بين عامي 2011 – 2014 تبادل البلدان الزيارات الرسمية على مستوى رئيس الوزراء، ممثلة بالرئيس رجب طيب أردوغان والماليزي آنذاك نجيب رزق، ونتج عن هذه الزيارات بداية عهد جديد في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتوقيع اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، التي ساعدت بتعزيز بالاستثمار والتبادل التجاري المتبادل، حيث ارتفع حجم التجارة بين البلدين عام 2014 إلى 2 مليار دولار، وفي عام 2017 بلغ 3.4 مليار دولار. ويهدف البلدان إلى زيادة حجم التبادل التجاري بينهما إلى ما لا يقل عن 5 مليارات دولار.
بعد محاولة الانقلاب في 15 يوليو دعمت ماليزيا تركيا، وأعلن رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق أنه يقف إلى جانب الحكومة التركية ضد محاولة منظمة غولن المحظورة لتدمير الديمقراطية، واعتقلت ثلاثة أعضاء رفيعي المستوى من FETO في ماليزيا في عام 2017 وسلمتهم إلى تركيا، مما عزز مؤشرات الصداقة بين البلدين.
وقام رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد بزيارة رسمية لتركيا في 27 يوليو 2019. وقام الرئيس أردوغان بزيارة رسمية إلى ماليزيا في 19 ديسمبر 2019 في إطار قمة كوالالمبور ووقع خلال الزيارة 14 وثيقة مذكرة تفاهم تنص على التعاون الثنائي بين الشركات العاملة في مجال الصناعة الدفاعية.
13 – 3 العلاقات التركية اليابانية
يعتبر العامل التاريخي من أهم العوامل المؤثرة في رسم السياسة الخارجية التركية كما وضحنا في القسم الأول من الدراسة. وقد أسست العلاقات الدبلوماسية بين تركيا واليابان في عام 1924. ويصنف العامل التاريخي ذو أهمية كبيرة في العلاقات التركية اليابانية لحدثين تاريخيين رئيسيين بين البلدين:
الحدث الأول: غرق سفينة أرطغرل التركية قرابة السواحل اليابانية عام 1890، عندما كانت السفينة تنقل هدايا ورسالة صداقة من السلطان عبد الحميد الثاني إلى الإمبراطور الياباني آنذاك ميجي. حاول القرويين اليابانيين في أوشيما إنقاذ البحارة الاتراك، لكنهم لم يستطيعوا، وتوفي في الحادثة 532 بحار. وبعد الحادثة ارسل الشعب الياباني والحكومة المساعدات لعائلات البحارة، وشكلت حملات الاهتمام أساسا للعلاقات التركية اليابانية. وتقام سنوياً في اليابان مراسم لإحياء ذكرى شهداء سفينة أرطغرل، والتقى رئيس الوزراء السابق آبي شينزو بأحفاد طاقم أرطغرل خلال زيارته لتركيا في مايو 2013، وصرح أن مذكرات السفينة نُشرت ككتاب مصور في اليابان وهو معروف جيدًا لدى المجتمع الياباني.
الحدث الثاني: إنقاذ تركيا من خلال الخطوط الجوية التركية لعدد من اليابانيين الذين حوصروا في إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية عام 1985، و إجلائهم إلى اليابان.
في عام 2013 خلال زيارة آبي شينزو رئيس الوزراء الياباني السابق إلى تركيا ذكر بأن العلاقات الثنائية قد ارتفعت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية. وقد شاركت الشركات اليابانية في عدة مشاريع ضخمة في تركيا وأهمها مشاريع الجسر الثالث في إسطنبول والمترو. ونفذت مشروع المدينة الطبية باشاك شهير جام وساكورا.
13 – 4 العلاقات التركية الأفغانية
تصنف علاقة تركيا مع أفغانستان من أقدم العلاقات الخارجية التي أسستها تركيا، فقد بدأت مع تأسيس الجمهورية التركية وفتح مكتب تمثيلي لتركيا في كابول، حينها تم إبرام اتفاقية التحالف التركي الأفغاني بتاريخ 1921. وتعد السفارة التركية في أفغانستان أول بعثة دبلوماسية تم افتتاحها في كابول. وأفغانستان هي ثاني دولة تعترف بالجمهورية التركية.
تاريخياً لعبت تركيا بين 1920-1960 دورًا في تطوير مؤسسات الدولة الافغانية في المجال العسكري والثقافي والتعليم والصحة، من خلال إرسال عدد كبير من الخبراء في المجالات المختلفة.
في فترة الاحتلال الأمريكي لأفغانستان ودخول قوات الناتو، دخلت تركيا كمساهمة غير قتالية من خلال دعم جهود الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي، لحماية مطار كرزاي الدولي في العاصمة كابول، بالاضافة إلى تدريب عدد من ضباط الجيش.
وقدمت تركيا عام 2004 إلى الدولة الأفغانية مساعدات تبلغ قيمتها حوالي 1.1 مليار دولار، وذلك ضمن اطار مؤتمر عقد في بروكسل لجمع مساعدات، وتعد هذه المساعدة من بين أكبر برامج المساعدات الخارجية التي قدمتها تركيا لبلد أجنبي على الإطلاق.
وقام الرئيس التركي اردوغان في 18 أكتوبر 2014، بزيارة إلى أفغانستان، وكان أول رئيس يزور أفغانستان منذ 46 عامًا، واثناء الزيارة تم التوقيع على اتفاقية شراكة استراتيجية وصداقة بين البلدين. وقام الرئيس الأفغاني أشرف غني بزيارة رسمية لتركيا في عام 2015، بدعوة من الرئيس أردوغان.
و زار الوزير جاويش أوغلو كابول في 16 يونيو 2016 وعقد اجتماعات مع الرئيس غني، وقام رئيس الوزراء في ذلك الوقت بن علي يلدريم بزيارة إلى أفغانستان في 8 أبريل 2018، والتقى بالرئيس أشرف غني ورئيس اللجنة التنفيذية آنذاك عبد الله عبد الله.
وبعد الانسحاب الاخير للقوات الامريكية والناتو بتاريخ 31 أغسطس من العام الحالي خرجت القوات التركية التي كانت متمركزة في مطار كرزاي. ونتج عن انسحاب القوى الدولية إلى انهيار الحكومة في العاصمة كابول، وسيطرت حركة طالبان على البلاد، ولم تتبلور بعد كيف ستكون العلاقة بين البلدين بعد تسلم طالبان للحكم في افغانستان، وخاصة أنها لا تتمتع باعتراف دولي لتاريخ كتابة هذه الدراسة.
13 – 5 العلاقات التركية بدول المغرب العربي
تمتلك تركيا علاقات تاريخية مع دول المغرب العربي ( المملكة المغربية، والجزائر، وموريتانيا ) تمتد إلى فترة الدولة العثمانية. ورغم أن الدولة العثمانية لم تسيطر على على أراضي في المملكة المغربية، إلا أنها أسست معها علاقات دبلوماسية واشترك البلدان في حروب ضد الأسبان والبرتغال.
فيما يخص المملكة المغربية، في سبيل تعزيز تركيا لعلاقاتها السياسية والاقتصادية معها، دعمت تركيا وحدة الأراضي المغربية، ورفضت انفصال الصحراء المغربية، وهذا الموقف يتوافق مع نظرة الدولة المغربية للوضع القانوني للصحراء المغربية. وابتعدت تركيا في اتخاذ أي مواقف من شأنه أن يعكر العلاقات بين البلدين لحساسية القضية بالنسبة للدولة المغربية.
وارتفعت قيمة المبادلات التجارية بين البلدين بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة عام 2006، وبلغت 2.8 مليار دولار عام 2018. وفي عام 2013، قام رئيس الوزراء التركي انذاك أحمد داود أوغلو بزيارة إلى المغرب، وقام بالتوقيع حول إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى (YDSK).
وتتزايد عدد الشركات التركية في المغرب في السنوات الأخيرة، حاليا يبلغ عدد الشركات التركية العاملة في المغرب حوالي 160 شركة. تعمل بشكل رئيسي في قطاعات مثل المقاولات والبناء وتجارة الجملة والتجزئة والمنسوجات والأثاث والحديد والصلب والسجاد والمواد الغذائية والملابس الجاهزة. وتبلغ القيمة الإجمالية للمشاريع التي قامت بها تركيا 4.1 مليار دولار، ويعمل في هذه الاستثمارات ما يقرب من 8000 مغربي.
قبل انهيار الاتحاد السوفياتي كان ارتباط الجزائر بالمنظومة الاشتراكية يمنع تطور العلاقات التركية الجزائرية على اعتبار أن تركيا ضمن حلف الناتو والمنظومة الغربية. ومع انهيار الكتلة الاشتراكية زالت العوامل التي تمنع تطور العلاقات السياسية بين تركيا والجزائر إلى حد كبير. وكانت هناك زيادة في الزيارات المتبادلة على مستوى الوفود السياسية والفنية رفيعة المستوى، وتم توقيع “اتفاقية الصداقة والتعاون” في عام 2006، وتعتبر تركيا من جانب الجزائر “شريكا استراتيجيا” إلى جانب إسبانيا وإيطاليا والبرتغال. وفي عام 2018 قام الرئيس أردوغان في زيارة للجزائر وضمن نطاق الزيارة تم توقيع سبع اتفاقيات اثنتان منها ذات طبيعة تجارية.
وتصنف الجزائر كأحد المصادر المهمة لاستيراد تركيا الغاز الطبيعي، وتعزيز سياسة تنويع الموارد وتصنف كرابع مورد للغاز الطبيعي لتركيا، يمكن الاطلاع على معلومات أكثر في دراستنا كيف تغيرت تركيا خلال خمس سنوات ( الطاقة) بالإضافة لامتلاك الجزائر أكبر مساحة جغرافية في إفريقيا ويبلغ عدد سكانها أكثر من 40 مليون نسمة، وهي رابع أكبر اقتصاد في القارة الإفريقية، مما يجعلها دولة مهمة لتركيا بمجال الإستثمارات.
]]>بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، تراجع التأثير الروسي على السياسة الدولية، وتضاءل اهتمامها بالقواعد العسكرية والقوة الروسية في الساحة الدولية، وذلك مقابل التركيز على الوضع الداخلي المتهالك، وخاصة فيما يتعلق بالانهيار الاقتصادي بعد سقوط منظومة الاتحاد السوفيتي.
لكن بعد استلام فلاديمير بوتين للحكم أعاد ترتيب الاولويات الروسية، وشمل ذلك وضع استراتيجية واضحة لتنمية الاقتصاد اعتماداً على موارد الطاقة، وإعادة تموضع روسيا كقوة عالمية في الساحة الدولية، والنظام الدولي. وتجسد كل ذلك بالتدخل الروسي في سوريا ومساندة النظام السوري في إعادة السيطرة على قسم كبير من المساحات التي خسرها لصالح المعارضة السورية، ثم التدخل الروسي في أوكرانيا واحتلال جزيرة القرم، ثم التدخل مؤخراً في الصراع الليبي عسكرياً وسياسياً، ودعمها لخليفة حفتر ضد الحكومة الشرعية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، ويندرج هذا التدخل باعتبار ليبيا منطقة نفوذ روسي قديم منذ حقبة الإتحاد السوفيتي.وهذا التدخل قد يمنح الروس مكاسب سياسية، وجيو سياسية، واقتصادية.
نحاول في هذه الدراسة توضيح المقاربة الروسية لتدخلها العسكري في ليبيا، واستقراء الأهداف التي تسعى لتحقيقها عبر هذا التدخل.
2 – أشكال التدخل العسكري الروسي في ليبيا
بعد سيطرة روسيا على مساحات واسعة من سوريا، أصبحت أعينهم على ليبيا، وبدأو بإرسال الأسلحة والمعدات العسكرية، والمرتزقة المعروفين بمجموعة “فاغنر ” لمساندة خليفة حفتر، الذي يسيطر على شرق ليبيا.
وشكلت مجموعة فاغنر حضوراً واسعاً في تصريحات القادة في دول عديدة، منحها بعداً يتجاوز تأثيرها كشركة خاصة لجلب المرتزقة، إلى أداة من أدوات التدخل الروسي المباشر في ليبيا. وقد قال الجنرال توماس فالدهاوزر، قائد القيادة الإفريقية (أفريكوم)، “إن روسيا تستخدم فاغنر من خلال توظيف مستشارين عسكريين مرتزقة، وخاصة في البلدان التي يسعى فيها القادة إلى حكم استبدادي، من أجل تحقيق المصالح الروسية بشروط مواتية”.
ومجموعة فاغنر الروسية مملوكة لـ Yevgeny Prigozhin ، وهو رجل أعمال له صلات وثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبحسب موقع يورونيوز، فإن المرتزقة لديهم خبرة ميدانية سابقة في أوكرانيا، والذين يقاتلون الآن على خط المواجهة في ليبيا.
وفي يناير من العام الجاري، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن أكثر من 2000 من مرتزقة فاغنر يقاتلون حاليا في ليبيا.
ووفقًا لصحيفة The Telegraph، فإن شركة Wagner Group ترسل المرتزقة لمساعدة قوات حفتر في بنغازي. وتقدم الدعم لقوات حفتر بالدبابات والمدفعية والطائرات بدون طيار والذخيرة.
وقالت الأمم المتحدة إن مجموعة فاغنر الروسية لديها بالفعل ما لا يقل عن 1200 مرتزق في ليبيا.
واتهم وزير الداخلية الليبي فتحي بشاغة قوات فاغنر بتنفيذ هجوم كيماوي في ليبيا. وقال بشاغة للصحفيين إن المرتزقة استخدموا مادة الأعصاب ضد قوات حكومة الوفاق الوطني الليبية في منطقة صلاح الدين جنوب طرابلس.
ووفقاً لبيان القيادة العسكرية الأمريكية الإفريقية (أفريكوم) إنه ” يوجد طائرات عسكرية روسية قادمة من سوريا، وأعيد طلاؤها بهدف التمويه، لدعم المرتزقة الروس الذين يقاتلون إلى جانب قوات خليفة حفتر. ومن المرجح أن تلك الطائرات سوف تقدم دعمًا جويًا قريبًا”. وكانت صحيفة الصباح التركية قد ذكرت في وقت سابق أن ثماني طائرات حربية روسية من طراز MiG-29 و Su-24 قد طارت من سوريا إلى ليبيا لمساعدة قوات حفتر.
وهناك ايضاً قاعدتان عسكريتان روسيتان تعملان بالفعل في طبرق وبنغازي. ويعتقد الآن أن صواريخ الدفاع الجوي S300 الحديثة موجودة على الأرض في ليبيا.
وبعد سيطرة قوات حكومة الوفاق على قاعدة الوطية الجوية، استولت قواتها على نظام الدفاع الجوي بانتسير-إس 1 روسي الصنع في القاعدة، ولكن يعتقد أن المنظومة جاءت من الإمارات العربية المتحدة، وليس من روسيا بشكل مباشر.
وصرح دبلوماسيون غربيون لصحيفة “نيويورك تايمز” بأنه من أجل إصلاح المعدات العسكرية وحل المشكلات اللوجستية أنشأت روسيا قاعدة عسكرية في غرب مصر. ووفقاً لـ RBC في نهاية عام 2019، وتم إرسال وحدات من النخبة الروسية جواً من موسكو، الذين تم توجيههم لتدريب أفراد جيش حفتر.
ولم تتوقف أعمال روسيا وشركة فاغنر على تواجدهم في ليبيا وسوريا، بل تم
الإبلاغ عن أنشطة فاغنر في مدغشقر وجمهورية إفريقيا الوسطى. وقد قُتل سابقاً ثلاثة صحفيين روس كانوا يحققون في تورط فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى عام 2018.
2- 1 خيارات التصعيد العسكري الروسي
في ضوء المعطيات الحالية، تمتلك روسيا ثلاث خيارات رئيسية لتدخلها العسكري في ليبيا على المدى المتوسط.
الخيار الأول: إستمرار الإعتماد على قوات فاغنر ، وتوظيف الميليشيات التي تقاتل إلى جانب نظام الأسد في سوريا، وأرسالهم للقتال إلى جانب حفتر . وبعد سيطرة روسيا على مساحات واسعة من سوريا، أصبحت لديها قدرة أكبر لإرسال قوات اضافية.
الخيار الثاني: الإستعانة بـ “القوات الشيشانية الخاصة”، وهذا الخيار لم يتم استخدامه في سوريا ،إذ يتمتع إقليم الشيشان في جنوب روسيا ذي الأغلبية المسلمة بجهاز عسكري متطور يصل عدد أفراده إلى 30 ألف جندي، والعديد منهم مدربون تدريباً عالياً، وهذه القوات تحت سلطة مباشرة للزعيم الشيشاني الذي عينه بوتين، “رمضان قديروف”. في حين أن قديروف نفسه قد سبق أن حرّض مرارًا وتكرارًا على نشر القوات الشيشانية في سوريا لمطاردة الجهاديين الشيشان، ولم يتم قبول طلبه سابقاً، لكن تم الموافقة على إرسال الشرطة العسكرية الشيشانية في دور غير قتالي.
والخيار الثالث: شن غارات جوية مباشرة في ليبيا، وهذا سيكون تصعيدًا كبيرًا ومباشرا من جانب موسكو، وسيؤدي إلى مواجهة مباشرة مع الأتراك في ليبيا (وهو الأمر الذي تجنبه البلدين في الحالة السورية). علما بأن الضربات الجوية الروسية المباشرة هي التي قلبت المقاييس في سوريا.
3- المصالح الاقتصادية الروسية في ليبيا
العامل الإقتصادي هو من الأسباب الرئيسية للدعم الروسي لقوات حفتر حيث ترتبط روسيا بليبيا بتاريخ طويل من المصالح الإقتصادية. في عام 2008، ذهب فلاديمير بوتين إلى حد إعفاء ديون ليبيا السوفييتية التي تبلغ حوالي 4.5 مليار دولار، مقابل شراء أسلحة روسية بقيمة 3 مليار دولار. كما وقعت شركة السكك الحديدية الروسية، وحكومة القذافي عقدًا بقيمة 2.6 مليار دولار لبناء خط سكة حديد بطول 550 كيلومترًا بين سرت وبنغازي. وكانت ممكن أن تستفيد موسكو أيضًا من 150 مليون دولار في مشاريع البناء، بالإضافة إلى ما يقدر بـ 3.5 مليار دولار في صفقات قطاع الطاقة. وكنتيجة مباشرة للانتفاضة الليبية في عام 2011، انسحبت روسيا من ليبيا، وخسرت عقودًا تقدر قيمتها بنحو تسعة إلى عشرة مليارات دولار. وحاليا، فإن الشركات الروسية الكبرى، ومعظمها من قطاع النفط والغاز مثل “تاتنفت”، مهتمة بالعودة إلى السوق الليبي.
وتعطي روسيا اهتماما أكثر لليبيا كونها تمتلك 46.4 مليار برميل من احتياطي النفط المؤكد، وهو الأكبر في إفريقيا والعاشر عالمياً. وليبيا مع موانئها ومحطاتها النفطية كانت على مدى عقود المصدر الرئيسي للطاقة إلى إيطاليا وجنوب فرنسا وبلدان أخرى في جنوب أوروبا. لأن تكلفة استخراج البترول في ليبيا وتوصيله إلى الأسواق الأوروبية منخفضة مقارنة بمصادر أخرى. مما يجعل ليبيا أحد المنافسين لروسيا في السوق الاوروبية. وعلاوة على ذلك كلما توقفت ليبيا عن إنتاج النفط، ترتفع الأسعار العالمية، مما يعود بالمصلحة على الروس بشكل غير مباشر.
وتأمل موسكو في لعب دور متزايد في الاقتصاد الليبي ونظام الرعاية الصحية والبرامج التعليمية. ففي عهد معمر القذافي وقعت الشركات الروسية اتفاقية مع الحكومة لإنشاء نظام متكامل للخدمات الطبية والتشخيص والعلاج عن بعد باستخدام أنظمة الاتصالات الحديثة. أما بالنسبة للتعليم، فقد أعلنت الحكومة الروسية العام الماضي أنها تهدف إلى تسجيل 710 آلاف طالب أجنبي من دول مختلفة في الجامعات الروسية بحلول عام 2025، مقارنة بـ 220.000 في عام 2017، ويشمل ذلك استيعاب طلاب الليبيين في روسيا، واعتمادًا على تطورات الوضع الأمني، قد تفتح بعض الجامعات الروسية فروعًا في ليبيا.
ولدى موسكو قناعة بأن التعاون في مجال الرعاية الصحية والتعليم يمكن أن يسمح لروسيا بتعزيز مصالحها طويلة المدى في شمال إفريقيا.
4 – الوجود الروسي في ليبيا يمنحها نفوذا على أوروبا
ليبيا هي دولة صحراوية يسكنها 6.5 مليون نسمة، وتقع في الجزء الأوسط من شمال أفريقيا، تبعد حوالي 390 ميلاً بحريًا من مالطا، و 486 ميلًا بحريًا عن جزيرة لامبيدوزا الواقعة في أقصى جنوب إيطاليا. ولها آلاف الكيلومترات من الحدود المشتركة ، يسهل عبورها مع الدول الإفريقية المجاورة (للجزائر ، ومصر ، وتشاد ، والنيجر ، والسودان وتونس) ، لذا فإن تأثير ليبيا على التطورات خارج حدودها وداخلها مهم جدا. فموقع ليبيا الرئيسي يضعها على مفترق طرق الساحل في جنوب أوروبا وشمال أفريقيا.
وكما هو الحال في مناطق الصراع الأخرى، لا يبدوا أن موسكو مهتمة بالتوصل إلى اتفاق سلام في ليبيا، طالما أنها تستطيع أن تتفوق على الغرب بشكل استراتيجي مع ضمان الوصول إلى الموانئ والطاقة. ومن الناحية التاريخية ، كان الوصول إلى موانئ المياه الدافئة في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​ذات أهمية كبيرة لصانع القرار الروسي، كجزء من تعزيز حضورهم كقوة عظمى في النظام العالمية. فخلال مؤتمر بوتسدام لعام 1945 ، حاول جوزيف ستالين دون جدوى المطالبة بالوصاية على مقاطعة طرابلس في ليبيا، وعلى الرغم من فشل محاولة ستالين، إلا أنه في سبعينات القرن الماضي انفتح معمر القذافي على موسكو، التي وفرت له الآلاف المستشارين العسكريين، وكميات ضخمة من المعدات العسكرية لتعزيز أنشطته بما في ذلك بناء قواعد صاروخية.
أن الحضور الروسي في ليبيا سيكسبهم نفوذًا كبيرًا على أوروبا على المدى الطويل، وسيتحكم الروس بملفين استراتيجيين بالنسبة للأوروبيين، الاول ملف الطاقة، والثاني ملف اللاجئين، الذي لا يزال مصدر قلق كبير لكثير من الأوروبين، مما يعني أن أي أزمة أخرى للاجئين تنبثق من ليبيا يمكن أن تعيد التوترات، وتعزز من تصاعد اليمين المتشدد ويزعزع استقرار الاتحاد الأوروبي الهش بالفعل.
وسيكون بإمكان الروس الضغط على دول الاتحاد الأوروبي من خلال هذين الملفين لتحقيق مكاسب فيما يخص قضايا انتشار الصواريخ في دول أوروبا الشرقية، وملف احتلال جزيرة القرم، والدفع من أجل إنهاء العقوبات المفروضة عليهم.
ومن ناحية أخرى، ستستغل روسيا إخفاقات الأوروبيين في ليبيا وتباين سياساتهم في الملف الليبي، كون فرنسا تدعم حفتر، بينما إيطاليا تدعم حكومة الوفاق سياسياً، وألمانيا تدعم الحل السياسي وعملية تسوية سياسية. وهكذا تصبح روسيا أكثر تأثيراً على الملف الليبي، بحكم تشتت الدول الاوروبية المجاورة ليبيا. ويبدو أن الروس حريصون على إرسال رسالة للأوربيين والأمريكيين من بعد تدخلهم في ليبيا، مفادها أن الروس لن يتوقفوا عند سوريا وأوكرانيا، وأن نجاحهم “في سوريا ليس مصادفة.
5 – التدخل الروسي في ليبيا، مقدمة للتمدد إلى القارة الافريقية
في أواخر عام 2018، أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون عن استراتيجية أمريكية جديدة تهدف إلى مواجهة كل من الصين وروسيا في أفريقيا بعد أن بات واضحا أن موسكو تريد زيادة وجودها في أفريقيا، بعد تصريح الرئيس فلاديمير بوتين حين قال ” إن إفريقيا هي إحدى أولويات السياسة الخارجية لروسيا، وتحدث عن الدعم السياسي والدبلوماسي، وعن مساعدات الدفاع والأمن، و المساعدة الاقتصادية للدول الأفريقية”.
وخلال الأعوام من 2014- 2019، شكلت القارة الأفريقية، باستثناء مصر 16٪ من صادرات الأسلحة الروسية، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI).
وبين 2017-2018، كانت لروسيا صفقات أسلحة مع أنغولا ونيجيريا والسودان ومالي وبوركينا فاسو وغينيا الاستوائية. وشملت تلك الصفقات، الطائرات المقاتلة، وطائرات الهليكوبتر المقاتلة، والنقل والصواريخ المضادة للدبابات، ومحركات الطائرات المقاتلة.
دوافع روسيا الاقتصادية واضحة للدخول إلى أفريقيا، إذ لديها نقص في بعض المعادن مثل المنغنيز والبوكسيت والكروم، وكلها مهمة للصناعات الروسية. كما أن لدى روسيا خبرة في قطاع الطاقة يمكن أن تقدمه للدول الغنية بالبترول في أفريقيا. وتفيد التقارير أن شركة لوك أويل العاملة في قطاع الطاقة لديها مشاريع في الكاميرون وغانا ونيجيريا وتتطلع إلى الاستحواذ على حصة في جمهورية الكونغو. وتعرض روسيا أيضًا تكنولوجيا الطاقة النووية للعديد من البلدان الأفريقية، بما في ذلك بناء أول محطة نووية في مصر، بتمويل قرض بقيمة 25 مليار دولار .
لذلك تسعى روسيا لأن تكون جزءً من المعادلة في ليبيا، وتثبيت قواعد عسكرية لها على سواحلها، لتكون نقطة انطلاق روسية إلى العمق الإفريقي وحجر أساس لحماية مصالحها.
6 – روسيا أكثر قوة في الشرق الأوسط عبر دعم قوات حفتر
أن السياسة الأمريكية المترددة تجاه الشرق الأوسط في عهد الرئيس أوباما، وتأييد الروس لقوات حفتر، أفسح المجال لموسكو لتأسيس علاقات دبلوماسية جيدة مع السعودية والإمارات. وبالنظر إلى ذلك، يمكن القول أنه كان من الصعب قبل وصول أوباما للحكم في أمريكا، ووقوف روسيا إلى جانب حفتر في ليبيا تصور تحسن في العلاقات الروسية والسعودية، والتي تطورت من خلال زيارة بوتين للسعودية، وعقد العديد من الاتفاقيات الاقتصادية.
كان بوتين قد قام بزيارته الرسمية الأولى إلى السعودية في فبراير/ شباط 2007، وكانت الأولى لرئيس روسي إلى شبه الجزيرة العربية. وفي عام 2017، قام الملك سلمان بأول زيارة له لروسيا. وفي عام 2019، زار بوتين السعودية، وترأس مع الملك سلمان مراسم التوقيع على سلسلة من المشاريع بمليارات الدولارات، من عقود الاستثمار بين البلدين، تستهدف قطاعات مثل الطيران، الثقافة، الصحة، والتكنولوجيا المتقدمة، حسبما أفادت وكالة فرانس برس.
وأشار بيان على موقع الكرملين، خلال اجتماع مع ولي العهد محمد بن سلمان، إلى أن الصندوق السعودي العام خصص 10 مليارات دولار لمشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر المشتركة في روسيا.
وبعد السعودية، زار الرئيس الروسي الإمارات العربية المتحدة في 15 أكتوبر من نفس العام. واتفق الجانبان على مجموعة من الصفقات في مجالات الطاقة، والطاقة النووية والطيران والبيئة. ووقعت شركة بترول أبوظبي الوطنية اتفاقية مع شركة غازبروم الروسية للتطوير في الإنتاج والذكاء الاصطناعي وتقنيات استخراج النفط من الحقول الحالية. وقد حصلت شركة لوك أويل الروسية على امتياز الاستثمار بنسبة 5 في المائة من حقول أبوظبي للغاز. وهذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها شركة روسية في مجال الطاقة في الإمارات . وكانت قيمة الصادرات بين البلدين في عام 2017، 2.5 مليون دولار، وفي عام 2018، ارتفعت التجارة بين الطرفين بزيادة 36%، حيث بلغت 3.5 مليار دولار.
أما مصر فقد ارتفعت قيمة الاستيراد مع روسيا، من 1.88، مليار دولار في عام 2015، إلى 4.575 مليار دولار في عام 2019. ووفقًا لـ SIPRI، فقد كانت روسيا خلال الفترة بين 2014-2018 من أكبر موردي الأسلحة الى مصر ، فقد وصلت نسبة الاسلحة الروسية التي استوردتها مصر من روسيا 30٪ من مجموع الصفقات المصرية للسلاح.
وأشار أحد المعلقين الروس،بإن “ليبيا عرضت قيمة مضافة مقارنة بسوريا من حيث أن مشاركة موسكو في شمال إفريقيا جعلتها أقرب إلى دول الخليج، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكذلك مصر”.
7 – المكاسب السياسية الروسية من التدخل في الملف الليبي
سعت روسيا في بداية الازمة الليبية لتحقيق توازن بعلاقاتها مع الحكومة الشرعية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، ومع العسكري خليفة حفتر. ومؤخرًا مالت إلى حفتر، وعلى الرغم من الدعم العسكري غير المنقطع له على مدار الحرب، ظل المسؤولون الروس على اتصال مستمر بممثلي حكومة طرابلس أيضًا. وقد أعربت موسكو في عدة مناسبات عن استعدادها لدعم حكومة السراج مع الاعتراف رسميًا بكونها السلطة الشرعية لليبيا والدعوة إلى حوار ليبي.
وتسعى روسيا لإثبات أحدى ستراتيجياتها المركزية التي اعلنتها للعالم ولمواطنيها في السنوات الأخيرة، إذ قالت إن ما تخربه الولايات المتحدة، يمكن لروسيا أن تصلحه. ويروج المسؤولون الروس بانتظام الى أن الفوضى التي تعيشها ليبيا هي بسبب تدخل الناتو عام 2011. والذي أدانه بوتن بشدة آنذاك باعتباره المثال الواقعي لعدم الاستقرار الذي تسببه التدخلات التي تقودها الولايات المتحدة. وبذلك تكون روسيا قد أثبتت أنها تستطيع تشكيل نتائج سياسية إيجابية في الخارج دون عمليات عسكرية مكلفة أو حملات جوية.
و من جانب آخر فقد انخرطت روسيا بشكل منتظم مع القادة الأوروبيين في عملية السلام الليبية، في سعيها لتوسيع قيادتها في مبادرات حل النزاعات في منطقة الشرق الأوسط. وتأمل روسيا أيضًا بأن ترضي مساهماتها في عملية السلام مسؤولي حكومة الوفاق الوطني، الذي وصفتها بأنها تقوم بإثارة عدم الاستقرار في ليبيا.
في تاريخ 13.01.2020، استقبلت الحكومة الروسية السراج في موسكو. وساعد الضغط الروسي في عقد اجتماع بين حفتر ورئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني فايز السراج، حيث كانت أول زيارة للسراج لروسيا. وزار نائب السراج أحمد معيتيق روسيا، حيث التقى بالقائد الشيشاني رمضان قديروف وميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي.
وزار خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، موسكو بدعوة من المجلس الاتحادي الروسي، لمناقشة العلاقات الثنائية وسبل معالجة الأزمة السياسية الجارية في ليبيا. وزيارة مشري، بصفته رئيس الهيئة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها والمكلفة بتقديم المشورة لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، ينبغي اعتبارها دليلاً على أن روسيا تريد الحفاظ على سياسة متوازنة بشأن لليبيا تحقق لها مكسب سياسي. وفي النهاية استطاعت روسيا الحصول على مقعد على طاولة المفاوضات في برلين.
8 – الخلاصة
في فترة أوباما وسياسته المترددة في الشرق الاوسط، واعلانه لعدة مرات عن نيته تخفيض الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، لوحظ تراجع للدور الأمريكي في كثير من القضايا على الساحة الدولية، مما سمح لدول مثل روسيا والصين وتركيا أن تأخذ دوراً أوسع في دائرة التاثير على النظام الدولي، وجعلهم أقدر على التدخل في الصراعات الاقليمية والدولية، وتحقيق تواجد عسكري في دول مثل سوريا وليبيا، والتوسع في القارة الافريقية.
التراجع الامريكي أعطى روسيا دفعة أكبر في التواجد في ليبيا و تحقيق مصالحها وتثبيت تواجدها في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وتحقيق مناورة أكبر تجاه الدول الأوروبية في ملفات الطاقة واللاجئين. وبسبب عدم التوافق في الرؤى السياسية لدول الاتحاد الأوروبي تجاه الأزمة الليبية، أستغل الروس هذا الاختلاف في التوجهات لصالحهم، مما يقوي موقفهم في ليبيا، ويضعف موقف دول الاتحاد الأوروبي.
إن وقوف موسكو إلى جانب قوات حفتر في الأزمة الليبية يجعلها أقرب إلى دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكذلك مصر. ولا يُنظر إلى دعم خليفة حفتر من قبل الاطراف الاقليمية على أنه سلبي، كما هو الموقف من دعم النظام السوري.
وهكذا سوف تعزز روسيا موقفها وتواجدها في الشرق الأوسط، من خلال كسب تأييد ثلاث دول مهمة في المنطقة. وسوف تحقق مكاسب في كافة المجالات من خلال مشاركتها العسكرية والدبلوماسية النشطة في شؤون المنطقة.
و تسعى روسيا من تدخلها في ليبيا ودعمها لخليفة حفتر لتحقيق عدة مصالح اقتصادية، في قطاعات البترول والبنية التحتية، وإعادة الاعمار مستقبلاً.
وعليه، فإن تمكن الروس من تعزيز حضورهم في ليبيا سيمنحهم قدرة أكبر على الوصول إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، وستكون موانئ ليبيا العميقة في طبرق ودرنة مفيدة للبحرية الروسية لوجيستياً وجيوستراتيجياً، لا سيما بالاشتراك مع قاعدتهم في طرطوس السورية.
]]>مقدمة
تضع الدول الكبرى سياساتها وفقاً لمصالحها الوطنية وأمنها القومي ، وهي تبعاً لذلك تتدخل بالدول الأقل قوة (بدرجة ما تتدرج وصولا إلى حد الغزو أو السيطرة العسكرية على الدول الأضعف) تبعا للموارد الطبيعية والمقومات الجغرافية والاقتصادية والاستراتيجية لتلك الدول.
وبهذا السياق ، فإن عوامل الجغرافيا السياسية هي الحافز الأساسي للتدخل الدولي في سوريا ، والتي تشهد خارطتها الكثير من التغيرات تبعا لمصالح الأطراف الدولية ، كل بما يتناسب مع أهدافه ومصالحه القومية.
ونناقش في هذه الدراسة العوامل الجغرافيا السياسية التي بنيت عليها مصالح الأطراف الدولية المتدخلة بسوريا، وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية ، روسيا ، إيران وتركيا .
الأهمية الجغرافية لسوريا في الخارطة الدولية
تقع سوريا على الطرف الشرقي من البحر الأبيض المتوسط الذي يعد منفذاً بحرياً مهماً إلى دول العالم وخاصة الأوروبية؛ والذي منحها الأهمية الجغرافي في الخارطة الدولية ، و جعلها مطمع للدول الكبرى عبر العصور .
كما أن الساحل السوري على شرق المتوسط قريب جغرافياً من قناة السويس التي تعتبر ممراً مائياً مهماً للملاحة الدولية، فضلاً عن ذلك: يشترك الشمال السوري بحدود طويلة مع تركيا التي تعتبر المنفذ البري إلى القارة الأوروبية ، بالإضافة تشكل سوريا ممراً تجارياً حيوياً بين تركيا ودول الخليج العربي ، كما يحدها من الشرق العراق ، ومن الجنوب الأردن والسعودية ، وهذا جعل من الجغرافيا السورية ممراً بحرياً وبرياً حيوياً بين الدول المنتجة والمستهلكة لموارد الطاقة ، وتحديدا البترول والغاز.
الموارد الطبيعية السورية
تتميز سوريا بتنوع مواردها الطبيعية على قلتها، فهي تحتل المرتبة 27 عالمياً في انتاج النفط، إذ يبلغ احتياطيها من البترول حوالي 2.5 مليار برميل تقريباً، وبلغ الإنتاج اليومي قبل الثورة 400 ألف برميل يوميا، وهو يشكل 0،18 من الإنتاج العالمي المقدر بحوالي 88 – 90 مليون برميل يومياً. وتتركز آبار النفط في مناطق؛ الحسكة ودير الزور. وفيما يتعلق باحتياطيات الغاز في شرق المتوسط وحسب المسح الجيولوجي الأمريكي عام 2010، الى أن أغلب الاحتياطيات تتركز في المناطق الاقتصادية الخالصة لدول؛ مصر، اليونان، جزيرة قبرص الشمالية والجنوبية، وفلسطين المحتلة.
وبحسب المسح لا يوجد إلا كميات قليلة من الغاز بالقرب من السواحل السورية.
أما بالنسبة للموارد الطبيعية الأخرى فيوجد الفوسفات بكميات جيدة وتحتل سوريا المرتبة التاسعة عالمياً في إنتاجه، ويتركز الإنتاج في محافظة حمص، ويقدر بحوالي 2.6 مليون طن يصدر معظمه.
دوافع الدول الجيوبولتيكية للتدخل في الصراع
تدخلت أطراف الصراع المختلفة في الأزمة السورية (بعد تدويله) نتيجة دوافع جغرافية وسياسية واقتصادية مركبة، حيث لكل طرف من الأطراف المتصارعة رؤيته ومصالحه التي يسعى لتحقيقها من خلال محاولة تحقيق انتصار على الأرض، والسيطرة على مساحات من الجغرافيا السورية، أو تحقيق الهيمنة على القرار السياسي الذي يتحكم بهذه المساحة.
وعند تحليل دوافع هذه الدول وفق القواعد الجيوسياسية (الجيوبولتيك)، تتضح لنا دوافع كل دولة ومحدداتها كالتالي.
1- روسيا
في عام 1971 وأثناء الحرب الباردة، وقّعت حكومة الاتحاد السوفياتي مع الحكومة السورية اتفاقية لبناء قاعدة عسكرية في مدينة طرطوس السورية، لتكون نقطة تمويل للأسطول السوفيتي في البحر الأبيض المتوسط، ومع سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991 تركت القوات الروسية القاعدة العسكرية، لكنها سرعان ما عادت إليها في عهد الرئيس بوتين، بعد اتفاق مع الحكومة السورية، شمل إعادة التموضع ، وتطوير القاعدة العسكرية .
وبتاريخ 30 أيلول/ سبتمبر 2015 بدأت رسمياً القوات الروسية التدخل عسكرياً في سوريا إلى جانب النظام، مبررة ذلك بضرب التنظيمات التي تزعم أنها “إرهابية”.
وفي 22 نيسان/ إبريل 2019، أعلنت الحكومة السورية عن تأجير ميناء طرطوس للحكومة الروسية لـ 49 عام، و الذي يعتبر من أكبر موانئ سوريا، حيث يشغل مساحة 3 مليون م، منها 1.2 مليون م² مساحة الأحواض المائية، و1.8 مليون م² مساحة الساحات والمستودعات والأرصفة .
المحددات الروسية للسيطرة في سوريا
في عام 2008 شنت روسيا حرباً ضد جورجيا مبررة ذلك بحماية أقليات روسية فيها، ولكن الحقيقة أن هذه الحرب كانت من أجل منع تمديد خط “نابوكو” للغاز الذي يمتد من بحر قزوين الى أوروبا مروراً بـ(أذربيجان ، جورجيا ، تركيا)، وفي ذات السياق يرى مراقبون أن أحد أسباب التدخل موسكو في سوريا هو منع مشاريع خطوط أنابيب تمتد من دول الخليج العربي عبر سوريا إلى تركيا ومنها إلى أوروبا.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 وانضمام كلاً من دول (ليتوانيا، إستونيا، لاتيفيا وأوكرانيا) إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ودخول القوات الأمريكية إلى أفغانستان والعراق، وتثبيت انظمة الدفاع الجوي التابعة للناتو على الحدود الروسية، هذا الأمر جعل روسيا دولة شبه محاصرة من قوات “الناتو”.
أما المحدد الجيوسياسي الذي دفع موسكو للتدخل؛ فيتطلب فهم الطبيعة الجغرافية الروسية، حيث تبلغ مساحتها 17,075,200 كم، وهي أكبر دولة في العالم، وتمتد أراضيها بين القارتين الآسيوية والأوروبية، وكما هو موضح في الخريطة ، رغم أنها دولة مترامية الأطراف لكنها تعاني من خلل بنيوي في موقعها الجغرافي، حيث تكاد تكون دولة شبه مغلقة، من الشمال يحدها المحيط المتجمد الشمالي والذي لا يمكن بناء الموانئ البحرية عليه، ومن الشرق هناك منفذ وحيد على بحر اليابان، ومن الغرب بحر البلطيق الذي تشرف عليه دول (إستونيا، لاتفيا و ليتوانيا)، ومضيق أوريسند الذي تتحكم به الدنمارك، جملة هذه العوامل تمثل عائقاً لوصول موسكو إلى المحيط الأطلنطي، ومن الجنوب البحر الأسود وهو حوض مائي مغلق، لهُ ممر وحيد عبر مضيق البوسفور تتحكم به تركيا. كما هو موضح في الخريطة رقم (١) التالية :
الخريطة رقم (١): طبيعة الجغرافية الروسية المغلقة
وكانت روسيا تعتمد سابقاً على قاعدة سيفاستوبول(Sevastopol) البحرية في جزيرة “القرم” التي كانت تحت حكم أوكرانيا، وكانت روسيا تستخدمها بعقد اجار ضمن اتفاقية تأجيرها من أوكرانيا، لكن سرعان ما اقدمت على احتلال جزيرة القرم عام 2014، كونها من أكثر القواعد البحرية من حيث الإمكانات والقدرات، سيما بعد اكتشاف كميات من الغاز والبترول قبالة سواحلها، الاحتلال الروسي عقب الإطاحة بالحكومة الموالية لها فيها.
بناء على ما تقدم فإن روسيا بحاجة ماسة لمنفذ بحري على البحر المتوسط ، ومن ثم فإن سيطرة الروس على الموانئ الروسية سيمنحهم قدرة على السيطرة والتمدد والتمدد في البحر المتوسط، وتاريخياً من يسيطر على المتوسط يؤثر على الدول الأوروبية التي يشكل البحر الجبهة الجنوبية من حدودها، ما يعطي موسكو قدرة في مراوغة حلف “الناتو”، ويسهل وصول قواتها الى المحيط الأطلسي.
2-الولايات المتحدة الأمريكية
بدأ التدخل الأمريكي المباشر في سوريا بــ 10 أيلول/ سبتمبر 2014، من خلال شن هجمات ضد تنظيم الدولة “داعش”، وكانت واشنطن دعمت قبل ذلك قوات سوريا الديمقراطية لوجستياً، والتي يشكل فيها المكون الكردي أكثر من 60٪ وتم على إثر هذا التدخل تثبيت قواعد أمريكية في شرق الفرات بالإضافة إلى قاعدة التنف على الحدود السورية العراقية الأردنية.
وفي 23 آذار/ مارس 2019 أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها قوات سوريا الديموقراطية؛ القضاء على تنظيم داعش.
وفي 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب جنود بلاده من الشمال السوري، والبالغ عددهم ألفي جندي، مبرراً ذلك بهزيمة تنظيم الدولة.
أمريكا والتحكم بالشرق الأوسط
نعتقد بأن التواجد الأمريكي في سوريا هدفه تقليص الوجود الروسي والحد من طموحاتها بالسيطرة على الجغرافيا السورية ، وكذلك منح الولايات المتحدة الأمريكية القدرة على السيطرة على مجريات الأحداث بين الأطراف الدولية الاخرى في سوريا.
وتتواجد القوات الأمريكية في منطقة شرق الفرات، على الحدود السورية العراقية، بالإضافة إلى مناطق البترول، ومنطقة “التنف” على الحدود السورية العراقية الأردنية.
وبعد عملية “نبع السلام” التركية على الحدود السورية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن انسحاب قواته من سوريا، وسرعان ما صدرت تصريحات من البيت الأبيض بأن القوات الأمريكية ستبقى لحماية آبار النفط لمنع تنظيم داعش، أو النظام السوري من الاستفادة منها. وتشير دراسات الى أن الهدف من التواجد الأمريكي في شرق الفرات هو البترول، ولكن كما ذكرنا في المحور الأول من هذا التحليل فإن الإنتاج والاحتياطي السوري للبترول لا يشكل سوى 0،18 من الإنتاج العالمي، ناهيك عن حجم الدمار في البنية التحتية لمراكز الإنتاج، لذلك لا يمكن أن يكون النفط مطمعاً لدولة عظمى بحجم أمريكا التي أعلنت مؤخراً تحقيقها الاكتفاء الذاتي منه، ولكن استغلاله يعد فرصة ذهبية بالنسبة لميليشيات مثل قوات سوريا الديموقراطية.
من جهتها؛ تسعى موسكو للسيطرة على سوريا بشكل كامل بعد إحكام سيطرتها على الساحل ومناطق الداخل، ولكن هذه السيطرة لن تكون كاملة وناجحة بتواجد قوات أمريكية، لأن واشنطن تدرك أن أي انسحاب لقواتها ستملئهٌ موسكو وطهران، الأمر الذي سينتج عنهُ تحكمهما من شرق المتوسط إلى إيران وسواحل الخليج العربي.
ويؤيد هذا التحليل ظهور تقارير تشير إلى نية موسكو بناء قاعدة عسكرية بحرية في ميناء بوشهر الإيراني، مما يهدد مصالح واشنطن ويزيد نفوذ موسكو في منطقة الشرق الأوسط، لكن وجود القوات الأمريكية على الحدود السورية العراقية يخلق حاجزاً جغرافياً يحول دون تحقيق هذا الهدف بشكل كلي .
3- إيران
بدأ التدخل الإيراني في الشأن السوري بشكل مباشر مع اندلاع الثورة الشعبية ضد النظام، جاء ذلك على لسان المرشد علي خامنئي، وأخذ في البداية على شكل دعم لوجستي وتقني ومالي، و تطور إلى تموضع عسكري مباشر .
وتوزع الانتشار الإيراني على طول الجغرافيا السورية، إلا أن الضغوطات الاقتصادية والعسكرية التي مارستها أمريكا بهدف حماية حدود كيان الاحتلال الإسرائيلي، دفعت طهران إلى التراجع عن انتشارها الواسع، فأخلت عدة مقرات لها وأعادت انتشارها داخل الأراضي السورية، كما سحبت جزءاً من عناصرها باتجاه الحدود السورية – العراقية.
وتعتبر إيران نظام الحكم في سوريا حليفاً أستراتيجياً لها، وتولي أهمية لهذا التحالف، كما أنها تخطط لتمرير خط استراتيجي لنقل الطاقة يمر بالأراضي السورية، حيث أعلنت بدء تنفيذ مشروع لربط الخليج العربي بميناء اللاذقية السوري عبر شبكة سكك حديد تمر من الأراضي العراقية، وتولي طهران أهمية كبيرة للمشروع في سياق تعزيز دورها ونفوذها الإقليمي للوصول إلى مياه البحر الأبيض المتوسط.
حٌلم الجسر البري الإيراني إلى المتوسط
من خلال تتبع سلوك طهران في المنطقة نلاحظ تصميمها على بناء ممر بري من حدودها إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، عبر العراق وسوريا ولبنان، فمثل هذا الخط الجغرافي الثمين يعزز قدرتها للسيطرة على المنطقة، ودعم حلفائها، ويعزز طموحها لتأسيس نفسها كقوة إقليمية مهيمنة في الشرق الأوسط، وتأمين منفذٍ بحري إلى السوق الأوروبية.
وتهدف طهران من خلال توظيف فيلق القدس إلى إضعاف الدول العربية، ونشر الفوضى، أما عن طريق حكومات تتبع لها، أو عبر زرع مليشيات مثل “حزب الله” لبنان، و”الحشد الشعبي” في العراق، ودعمها عسكرياً واقتصادياً خارج سيطرة الحكومات.
وأهمية الممر البري لإيران إلى البحر الأبيض المتوسط تنبع من عدم امتلاكها لأسطول طائرات، حيث أن طهران لا تملك اسطول طائرات يمكن أن تستند إليه في إنشاء جسر جوي مع دمشق وبيروت، ولاسيما بعد فرض عقوبات عليها ومنعها من إبرام عقود شراء طائرات، ويمكن توظيف الجسر الجوي في نقل الاسلحة الثقيلة فقط، اما نقل الأفراد والأسلحة الخفيفة والمتوسطة برياً يكون أسرع وأقل تكلفة من الطيران، بالإضافة إلى ذلك فإن طهران تواجه ايضاً خطر حظر النقل البحري، إذ يمكن توقيف أي سفينة تتبع لها في البحار والمحيطات وحجزها.
ويوجد ثلاثة معابر بين سوريا والعراق، تربط الطريق البري بشرق المتوسط وتسعى إيران للتحكم بها ، و كما موضح على الخريطة رقم (٢) أن الطرق في اللون الأحمر مغلقة في وجه التمدد الإيراني، أما الطريق ذات اللون البرتقالي هي طريق مستهدفة عسكرياً ، ك التالي :
خريطة رقم (٢): الطرق الدولية التي تمتد من إيران عبر العراق إلى سوريا
ومن خلال توزع القوى على الأرض يكون وضع هذه الطرق على الشكل التالي :
الأول- معبر اليعربية: في الشمال السوري، وهو مغلق بوجه طهران لوجود قوات أمريكية فيه، و غير متاح حالياً ليكون شرياناً لوجستياً رئيسياً.
الثاني- معبر القائم: متاح للاستخدام من قبل القوات الإيرانية، مع تواجد قوي لميليشيات عراقية تابعة لها على طول الطريق داخل و خارج المعبر، لكنه ليس آمناً وكثيراً ما يتعرض لغارات أمريكية و إسرائيلية.
الثالث- معبر التنف: مغلق لوجود قاعدة أمريكية فيه، وهو أقصر طريق بين بغداد ودمشق.
4-تركيا
في عام 2016، تدخل الجيش التركي بشكل مباشر عبر عملية عسكرية برية ضد مسلحي تنظيم “داعش”، ومسلحي وحدات حماية الشعب الكردية أطلق عليها اسم “درع الفرات”.
إثر ذلك توسع الانتشار التركي في شمالي سوريا وشمل مناطق؛ جرابلس ودابق والباب، تلاه تمركز في محافظة إدلب ضمن ما سمي باتفاق مناطق “عدم الاشتباك”.
وفي كانون الثاني، يناير 2018، أطلق الجيش التركي عملية عسكرية ضد الوحدات الكردية أطلق عليها اسم “غصن الزيتون” سيطر خلالها على مدينة عفرين ومحيطها.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر أطلق الجيش عملية ثانية تحت اسم “نبع السلام” بذات الهدف، سيطر خلالها على مناطق واسعة تقع ما بين رأس العين وتل أبيض بطول 145 كيلومترا وعمق 30 كيلومتراً.
تركيا وحماية الأمن القومي
بالنظر إلى الاستراتيجية التي وضعها رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو في كتابه “العمق الاستراتيجي”، بتوجيه السياسة الخارجية نحو الدول العربية والاسلامية، و من مبدأ “صفر مشاكل” مع دول الجوار، لإعادة تركيا إلى دورها الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط ، حيث أشارا أحمد داود أوغلو في كتابه أن سوريا ستكون بوابة تركيا للانفتاح اقتصادياً وسياسياً على الدول العربية .
وكانت سوريا تمثل خط عبور تجاري من تركيا الى دول الخليج العربي، وبعد الثورة توقف هذا الخط لأسباب أمنية، و كانت أنقرة من أكثر المؤيدين لمد خطوط أنابيب من دول الخليج عبر سوريا إلى تركيا، لتعزيز موقعها كمركز عالمي لنقل موارد الطاقة.
ونظراً إلى أن الحدود البرية التركية السورية يبلغ طولها حوالي 900 كم، ومع ارتفاع وتيرة الحرب في سوريا، وتشكل حزام من قوات “قسد” المصنفة كمنظمة “إرهابية” لدى أنقرة، فقد أصبح التدخل العسكري التركي في الشمال السوري جزءً من أمنها القومي.
بالإضافة إلى وجود مصالح اقتصادية لتركيا في الشمال السوري، حيث تسعى لأن تكون المنطقة مرتبطة بها اقتصادياً بشكل كامل بحكم الجغرافية، ولاسيما أن السوريين في الشمال و وفقاً للكثير من الإحصاءات يثقون بالطرف التركي، بخلاف الأطراف الأخرى.
من هذه المنطلقات الأساسية؛ القضية الكردية، التي تسعى دول تناصب تركيا العداء لإقامة كيان لأكراد سوريا على حدودها، يشكل تهديداً استراتيجياً لوحدة أراضيها على المدى البعيد، تدخلت أنقرة في الصراع السوري، وحققت بعض مصالحها عسكرياً، ولازالت تناور لتحقيق ما تبقى من مصالحها سياسياً، في خضم الاشتباك الدولي المعقد، وتداخل المصالح الإقليمية في سوريا.
خارطة النفوذ الأجنبي في سوريا
ومع تحول التدخل الأجنبي في سوريا إلى أمر واقع، توزعت مناطق نفوذ الدول الفاعلة بناء على مجريات الصراع وتطوراته العسكرية والسياسية، ويمكن تلخيص الخارطة على النحو التالي:
تتواجد القوات الروسية في قاعدة “حميميم” وهي قاعدة جوية تقع في بلدة حميميم قرب مدينة جبلة، إضافة إلى قاعدة “طرطوس” البحرية؛ وهي القاعدة البحرية الوحيدة في المتوسط.
كما تنتشر في “تدمر”، وبلدات بريف “منبج” ومناطق أخرى.
وتتواجد القوات الأمريكية في قاعدة “رميلان” شرق مدينة القامشلي، إضافة إلى قاعدة “المبروكة”، وقاعدتي “خراب عشرة” و “عين عيسى”، فضلاً عن قاعدة “عين العرب” في ريف حلب الشمالي، وقاعدة “تل بيدر” شمال محافظة الحسكة، و “تل أبيض” على الحدود السورية التركية.
كما تتواجد القوات الأميركية في منطقة “منبج”، إضافة إلى منطقة “التنف” جنوب شرق سوريا.
أما إيران فيعتبر وجودها الأوسع انتشاراً بين القوى المتصارعة، بفضل الميليشيات الأجنبية التي تتوزع على خارطة الجغرافيا السورية، ويقدر عدد مقاتليها بعشرات الآلاف، وتضم قوات من “الحرس الثوري” و “الباسيج”، ومليشيات أفغانية وعراقية، ولإيران قاعدة عسكرية في معامل الدفاع في منطقة “السفيرة” بحلب شمال البلاد، ولها وجود جنوب العاصمة دمشق، وفي ريف حلب الجنوبي أو ريف حمص الشرقي.
أما الوجود العسكري التركي فهو يتركز شمال سوريا بمناطق “عفرين” و “جرابلس” حتى “إدلب”، حيث أسس الجيش التركي نقاط مراقبة عسكرية في محيط المحافظة ضمن اتفاق خفض التصعيد بين تركيا وروسيا وإيران.
الخريطة المتوقعة لتوزع القوى في سوريا
تسعى موسكو لتوسيع سيطرتها على الأراضي السورية على حساب قوات المعارضة في إدلب . لتثبيت نفوذها، و احكام سيطرتها على الطريق الدولي M5، أي من المتوقع أن تسيطر على مدن معرة النعمان وسراقب .
أما أنقرة، فمن المحتمل أن يمتد نفوذها على طول الحدود السورية ، من إدلب المدينة التي من المحتمل أن تنضم إلى مناطق غص الزيتون و درع الفرات ، حتى قرية تل تمر على الطريق الدولي M4 .
واشنطن، ستدفع إلى تعزيز و تثبيت قواتها على طول الحدود الشرقية من اليعربية شمالاً إلى التنف جنوباً، لأن انسحابها سيعزز سيطرة موسكو على سوريا ومناطق في الشرق الاوسط ، و تصبح تهديداً حقيقياً لمصالحها .
طهران ، من المرجح أن يتم إزاحتها بشكل تدريجي من الخارطة السورية، نظراً لتهديدها مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، و منافستها لنفوذ موسكو، وتهديدها لأمن إسرائيل . سوف نستشرف توزع القوى خلال الفترة القادمة كالتالي :
الخريطة رقم (3): توزع القوى في سوريا ، وتستشرف كيف سوف تكون هذه الخريطة في الفترة القادمة
خلاصة
تعمل موسكو على تعزيز تواجدها في قاعدة طرطوس وسوريا بشكل أوسع، انطلاقاً من أهميتها الاستراتيجية في شرق المتوسط، سيما أنها القاعدة الروسية الوحيدة في الخارج التي ترسو فيها قطعها العسكرية و اسطولها البحري، وبتواجدها هناك يصبح لها دور مؤثر على الدول الأوروبية التي هي جزء من حلف الناتو، وتحقق مرونة وسرعة التحرك في البحر المتوسط، والمحيط الأطلنطي والبحر الأحمر، و بتواجدها في سوريا تصبح موسكو أكثر قدرة على احتواء التهديدات الغربية، وحماية سفنها العسكرية والتجارية في المياه الدولية إذا ما تعرضت لأي اعتداء.
وبحسب تقارير واستبيانات فأن محاربة تنظيمات حزب العمال الكردستاني المعروف اختصاراً بـ(pkk) يأتي في مقدمة اهتمامات الأمن القومي للحكومة والشعب التركي، وبحسب التقارير نفسها جاء الاقتصاد ثانياً، وهذا ما دفعها للتدخل عسكرياً في سوريا، لذلك ستعمل أنقرة لتثبيت مواقعها في الشمال السوري.
وينظر إلى التواجد الأمريكي في شرق سوريا ومنطقة التنف، كونه يشكل أهمية جيوسياسية استراتيجية، لمنع روسيا من إكمال سيطرتها على منطقة واسعة في الشرق الأوسط؛ وخاصة بعد تمركزها بشكل كبير على ساحل البحر المتوسط . بالإضافة لمنع إيران من إنشاء طريق بري يؤمن لها وصولاً سلساً إلى شرق المتوسط، بالتعاون مع حكومة العراق والنظام سوريا، وحزب الله في لبنان.
]]>