الأزمة المتوقعة الأولى: قدوم شتاء عالي البرودة
تؤثر التغيرات المناخية بشكل كبير على حياة الناس والإقتصاد وأوضاع الدول. ويرتبط – على سبيل المثال- انخفاض درجات الحرارة بارتفاع تكاليف الحياة اليومية بسبب ارتفاع الطلب على موارد التدفئة وأهمها ( البترول، الغاز، الفحم الحجري)، مما يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع أسعارها، ومما ينعكس على أسعار كافة السلع والخدمات الاخرى.
وتتنبأ العديد من مراكز مراقبة الطقس بشتاء بارد، وانخفاض درجات الحرارة بمستوى أقل من الطبيعي، وأهمها التوقعات التي صدرت عن مركزي الثلوج الوطني الأمريكي ووكالة ناسا.
وبحسب الوكالات المتخصصة بالطقس هناك العديد من العوامل التي من الممكن الاستناد عليها في توقع درجات الحرارة، ولعل أهمها “ظاهرة اضطراب الدوامة القطبية”، وهي حزام من الرياح يدور حول الجزء العُلوي من العالم في القطب المتجمد الشمالي، هذا الحزام يحبس الهواء البارد في المنطقة بإحكام، وإذا ضعف هذا الحزام تخرج الرياح الباردة من حدود القطب الشمالي، وتكون سبب مباشر في انخفاض درجات الحرارة. وأكثر القارات تأثراً في حال اضطراب الدوامة القطبية آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية. وقد تنبأت ناسا بطقس بارد في عدة مناطق من العالم، ولاسيما في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، بعد بعثة قامت فيها إلى القطب المتجمد الشمالي. حيث أكدت بعثة “ناسا” أن حدوث اضطراب كبير في الدوامة القطبية هذا الشتاء أمر شبه حتمي.
الأزمة المتوقعة الثانية: ارتفاع أسعار موارد الطاقة ( الغاز – البترول)
شهدت أسعار البترول والغاز انخفاضاً كبيراً في بدايات ومنتصف فترة تفشي جائحة كورونا، مما دفع الدول المنتجة للبترول وهم تحالف أوبك بلاس وفي مقدمتهم السعودية وروسيا إلى عقد اجتماع شهري على مستوى وزراء النفط، من أجل تخفيض الإنتاج والمعروض بما يتناسب مع الطلب العالمي والإغلاق الاقتصادي، بهدف المحافظة على أسعار برميل النفط من الانهيار. وقد شهدت أسعار النفط تحسناً بعد الإجراءات التي اتخذها تحالف أوبك بلاس. وارتفعت أسعار برميل النفط في الربع الرابع من عام 2021 حتى وصلت إلى مستوى 80 دولار للبرميل، بعدما كانت مستقرة بين 60 – 65 دولار، وذلك بسبب رفع غالبية دول العالم لقواعد الحظر، مع إبقاء تحالف أوبك على سياسة تخفيض الإنتاج، والتدرج في رفع كمية الإنتاج.
وقد سجلت أسعار الغاز الطبيعي في بداية تفشي جائحة كورونا حول العالم 34 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وارتفعت الآن أسعار الغاز 500% تقريباً. وأهم أسباب ارتفاع أسعار الغاز :
الأزمة المتوقعة الثالثة: ارتفاع تكاليف الشحن البحري في العالم
ثمة العديد من العوائق التي تؤدي لارتفاع أسعار الشحن مثل؛ تهديدات القرصنة التي قد تتعرض لها سفن الشحن، التوترات السياسية والامنية التي قد تدفع بعض الدول إلى اغلاق مجالها المائي أو إغلاق مضيق بحري تتحكم فيه احدى الدول، ومؤخرا ساهمت جائحة كورونا باتفاع تكاليف الشحن حول العالم بسبب أزمة الحاويات. إذ في ظل تفشي جائحة كورونا انخفضت حركة سلاسل التوريد العالمية مما رفع من تكاليف الشحن البحري، إضافة للإضرابات التي أصابت الموانئ العالمية وخاصة في الصين وأمريكا بعد تفشي جائحة كورونا، فعلى سبيل المثال بقي القسم الأكبر من حاويات الشحن المخصصة للنقل (الكونتينر) في أمريكا، والقادمة من الصين خلال فترات الإغلاق بسبب كورونا، وعندما تعافى الطلب العالمي، لم تكن هذه الناقلات متوفرة في الصين، مما زاد الطلب على هذه الحاويات (المتوقفة في أمريكا) وبدوره ارتفعت أسعار الشحن في العالم.
النقاط التي تمت مناقشتها في الاعلى حول التوقع لشتاء بارد، وارتفاع أسعار موارد الطاقة، وتكاليف الشحن البحري حول العالم تنذر بارتفاع أسعار كافة السلع بتعدد أنواعها، وبالتالي ارتفاع تكاليف المعيشة في العديد من دول العالم.
والواضح أن الدول المنتجة لموارد الطاقة (الغاز – البترول) وفي مقدمتهم دول تحالف أوبك بلاس ستحصل على إيرادات مالية ضخمة في الفترة القادمة، وفي مقدمتهم (السعودية، روسيا، وقطر).
وقد تعمل العديد من دول العالم وخاصة الدول الاوروبية على إعادة التفكير في إنتاج الفحم الحجري لتشغيل المحطات المنتجة للكهرباء، وذلك لتغطية النقص الحاصل في مخزونات الغاز الطبيعي، الذي يتزايد الطلب عليه في الأسواق العالمية.
]]>وقد رفع جو بايدن شعار«أمريكا عادت»، وأكد من خلاله للمؤسسات وللمجتمع الدولي على عودة أمريكا.
وتضمنت أجندة السياسة الداخلية لإدارة بايدن الحد من وباء كوفيد -19، وتوفير اللقاحات وتحفيز الاقتصاد. أعطى بايدن منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بالإضافة إلى روسيا والصين مكانة مهمة في أجندة السياسة الخارجية لإدارته. كما أعطى بايدن مكانة مركزية في سياسته الخارجية لإستراتيجية العودة إلى آسيا (Pivot to Asia)، تلك الإستراتيجية التي بدأت في عهد باراك أوباما ودونالد ترامب.
وبالنسبة للشرق الأوسط، تشكل عودة الولايات المتحدة إلى استراتيجية “العودة إلى آسيا” تطوراً هاماً، وذلك لأن توجه الولايات المتحدة نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ يعتمد إلى حد ما على الاستقرار النسبي في الشرق الأوسط.
وكانت سياسة التوازن بين روسيا والصين بدأت في عهد أوباما وترامب، واستمر عليها بايدن، إذ أنها ستضع الشرق الأوسط في مكانة متقدمة في أجندة السياسة الخارجية لإدارة بايدن. ومع ذلك، فقد واجهت إدارة بايدن شرق أوسط مختلف عن الذي كان في عهد أوباما وترامب.
في هذا السياق فإن تطور علاقات دول الشرق الأوسط بروسيا والصين يؤدي إلى زيادة التنافس مع أمريكا بالنسبة لإدارة بايدن، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى رفع وتيرة التنافس الدولي في المنطقة.
وأدى عدم التوازن (underbalancing) مع روسيا في الشرق الأوسط، والذي بدأ في عهد أوباما واستمر في عهد ترامب، إلى فتح منطقة نفوذ كبيرة لروسيا في الشرق الأوسط. وبالمثل، عززت الصين نفوذها في الشرق الأوسط من خلال مبادرة الحزام وطريق الحرير الصيني. ومؤخراً وقعت الصين اتفاقية مدتها 25 عاماً مع إيران بقيمة 400 مليار دولار. لذلك، فإن حقيقة أن روسيا والصين، اللتان لهما مكانة مهمة في عودة الولايات المتحدة إلى استراتيجية آسيا، توسعان من مناطق نفوذهما في الشرق الأوسط، الأمر الذي يؤكد أن سياسة بايدن تجاه منطقة آسيا والمحيط الهادئ بدأت من الشرق الأوسط.
في المئتي يوم الأولى من توليه للسلطة شكل بايدن سياسته لمنطقة الشرق الأوسط بناءً على ثلاث قضايا: (١) العلاقات الخليجية، (٢) الملف الإيراني، (٣) إسرائيل.
وقد أعادت إدارة بايدن شراكتها التاريخية مع أوروبا بإعلان الشرق الأوسط “منطقة ذات اهتمام مشترك” مع الدول الأوروبية. أما فيما يخص العلاقات مع الخليج، فيهدف التحالف عبر الأطلسي بقيادة بايدن إلى تحقيق الاستقرار في مجلس التعاون الخليجي. ومن المتوقع أن يتم الإعتماد على دول مجلس التعاون الخليجي، المطلوب تقويته من خلال تجاوز الأزمة الخليجية، كقوة موازنة لإيران.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أعلن بايدن أنه سينهي السياسة التي كان يتبعها ترامب في الشرق الأوسط، وأكد أنه سيتم إبراز قيم حقوق الإنسان في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وبالتوازي مع وعده بوضع حد “للحروب التي لا نهاية لها” خلال عملية الانتخابات فقد قام بايدن بوضع الحلول الدبلوماسية بدلاً من الحروب في المقدمة، وقامت إدارة بايدن بقطع دعمها للهجمات العسكرية في اليمن، وعينت إدارته مبعوثا خاصا لإيجاد مخرج دبلوماسي للحرب تحت مظلة الأمم المتحدة.
أما في الحرب في سوريا، فتهدف إدارة بايدن إلى استخدام الوحدات العسكرية الأمريكية في شمال شرق سوريا كوسيلة ضغط، كما تهدف إلى إعادة الانخراط في العملية الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، فقد قام بايدن بسحب القوات الأمريكية المتواجدة في أفغانستان منذ عام 2001، وعلل سبب انسحاب قواته من أفغانستان بـ”قرار الانسحاب” والذي تم التوصل إليه في عهد الإدارة السابقة بعهد ترامب، إذ أنفقت أمريكا نحو 90 مليار دولار لبناء الجيش الأفغاني البالغ عددهم 300 ألف جندي خلال 20 عاما. وعلى الرغم من أن بايدن أوفى بوعده الانتخابي بالانسحاب من أفغانستان، إلا أن حلفائه الغربيين أدركوا أن الاضطرابات التي حدثت أثناء الانسحاب الأمريكي قد أضرت بصورة السياسة الغربية بشكل عام.
وفي سياق إنهاء بقايا السياسة الأمريكية السابقة بعهد ترامب في الشرق الأوسط، عمل بايدن على إبراز قضايا حقوق الإنسان في السياسة الخارجية، وأعاد تشكيل علاقاته مع المملكة العربية السعودية. ومع بروز الأزمة اليمنية وسجن جماعات المعارضة السياسية، تأثرت علاقات بايدن مع المملكة العربية السعودية. وقد وصف بايدن حرب اليمن بأنها “كارثة إنسانية واستراتيجية”، وقام بحظر بيع الأسلحة للسعودية التي من الممكن أن تستخدم في أغراض هجومية في اليمن، حتى أنه توقع أن تتخذ حكومة المملكة المتحدة خطوة مماثلة، ولكن حكومة بوريس جونسون لم تفرض حظراً. على الرغم من ذلك، تواصل إدارة بايدن التعاون مع السعودية في محاربة الإرهاب وتحقيق التوازن مع إيران.
رغم أن إدارة بايدن حظرت بيع الأسلحة الهجومية للسعودية، إلا أن الأخيرة تواصل شراء الأسلحة الدفاعية من أمريكا لاستخدامها ضد الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار القادمة من اليمن وبالتحديد من قبل الميليشيات المرتبطة بإيران. ومن المحتمل أن إدارة بايدن لم تمنع بيع الأسلحة الدفاعية إلى السعودية خوفاً من إقامة الأخيرة تعاون دفاعي مع روسيا والصين.
أما ملف إيران فيعتبر القضية الثانية التي أحيت فيها إدارة بايدن التحالف عبر الأطلسي مع الدول الأوروبية من أجل تقليص التكلفة في سياسة الشرق الأوسط. إذ يتضمن هذا الملف أيضا العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، بما يتماشى مع إدعاء بايدن أنه سينهي سياسة ترمب الماضية في الشرق الأوسط.
وقد أدركت إدارة بايدن أن انسحاب الولايات المتحدة أحادي الجانب من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) خلال عهد ترامب دفع إيران إلى إقامة تعاون اقتصادي واستراتيجي مع الصين. ففي ملف إيران النووي، قامت مجموعة E3، المكونة من ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة بدبلوماسية مكثفة لإجراء مفاوضات نووية بين الولايات المتحدة وإيران.
وكان أحد أهداف إدارة بايدن من الدخول في مفاوضات نووية مع إيران هو تجنب الصراعات مع إيران والميليشيات المدعومة منها في المنطقة، وعدم الوقوف مكتوفي الأيدي بينما تقوم إيران بتخصيب المزيد من اليورانيوم وتقترب من امتلاك أسلحة نووية.
وعلى الرغم من أن بايدن فتح باب المفاوضات بشكل غير مباشر بشأن الاتفاق النووي مع إيران، إلا أنه كان أبطأ من المتوقع. إذ تزال بعض القضايا الهامة مثل ملف الصواريخ الباليستية الإيرانية، وملف دعمها لوكلائها في بعض الدول العربية، تمنع بايدن من رفع العقوبات عن إيران. ويشترط بايدن وفاء إيران بالتزاماتها من أجل بدء المحادثات معها. بينما تريد إيران أن ترفع الولايات المتحدة عقوباتها أولاً، في الوقت الذي تطالب فيه إدارة بايدن بخفض مستويات تخصيب اليورانيوم في إيران إلى المستوى المقبول الموثق في معاهدة 2015. وفي الوقت الذي تستمر فيها عملية المحادثات والمفاوضات لإعادة الاتفاق، تعيش إيران فترة صعبة وتراجعاً على كافة الأصعدة.
ومع استمرار الهجمات على القواعد الأمريكية في العراق، وقع انفجار في منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم في إيران، حيث اعتبرته ايران عملاً إرهابيا.وتجعل تصريح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يمتثلا لالتزاماتهما فيما يتعلق بالاتفاق النووي نتيجة المحادثات النووية غير مؤكدة.
أما بالنسبة لمكانة إسرائيل وفلسطين في سياسة إدارة بايدن تجاه الشرق الأوسط، فإن من المتوقع ألا تكون العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل في عهد بايدن قريبة كما كانت في عهد ترامب.
وبإعلانه أنه سينهي سياسة ترامب في الشرق الأوسط، فإن نهج بايدن تجاه القضية الفلسطينية يمثل عودة إلى السياسة الأمريكية ما قبل ترامب والتي تتمثل بالدعم لحل الدولتين، واستئناف تقديم المساعدة الإنسانية للفلسطينيين، ومتابعة الدعم العسكري والدبلوماسي غير المشروط لإسرائيل.
وقد تجلت سياسة بايدن تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني خلال الصراع بين إسرائيل وغزة في مايو 2021. وركزت إدارة بايدن على حل الدولتين، وأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها في الصراع ضد غزة، على الرغم من استئناف بايدن المساعدات الإنسانية للفلسطينيين.
ونتيجة للضغوط من قبل الحزب الديمقراطي، ضغط بايدن على إسرائيل لوقف إطلاق النار، آخذاً بعين الاعتبار التكاليف السياسية داخل الولايات المتحدة. وقد وافق بايدن على بيع إسرائيل صواريخ دقيقة التوجيه بقيمة 735 مليون دولار، وهو ما يمثل سياسة الدعم العسكري غير المشروط لإسرائيل التي أعلن عنها بايدن.
وفي الوقت الذي تسعى فيه إدارة بايدن لتحسين علاقاتها مع الدولة المعادية (إيران)، فإنها تسعى جاهدة لجعل تركيا تتخلى عن توجهاتها الحالية في السياسة الخارجية، حيث كان لعهد بايدن بداية سيئة في علاقاته مع تركيا، بالإضافة إلى صفقة S-400 الروسية التي تعكر صفو العلاقات بين الدولتين، بسبب رفض أمريكا الصفقة. وفي الملف السوري فإن سياسة إدارة بايدن تجاه سوريا هي استمرار لسياسة أوباما وترامب، إذ تواصل إدارة بايدن دعم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي PYD. إضافة إلى ذلك، انتقد بايدن تركيا لانتهاكها لحقوق الإنسان، ووصف ما حدث بخصوص الأرمن عام 1915 بالـ “الإبادة الجماعية” مما تسبب في أزمة أخرى في العلاقات بين الدولتين. حيث اعتُبر بيان بايدن بمثابة دعم لمنافسي رئيس الوزراء نيكول باشينيان في أرمينيا.
نتيجة لذلك، تسعى إدارة بايدن إلى إعادة ضبط سياسة الشرق الأوسط التي تركتها إدارة ترامب. حيث وُصفت سياسة بايدن في الشرق الأوسط بأنها سياسة مشاركة براغماتية محدودة، على عكس القومية في عهد ترامب والمثالية العالمية في عهد أوباما، ولكن تطبيق هذه السياسة يعد صعباً لسببين:
الأول، إن إبقاء سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بعيدة عن الأضواء والتدخل في بعض الأزمات الإقليمية خلق فراغا في الشرق الأوسط، وتم ملء هذا الفراغ من قبل الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية مثل إيران وتركيا وروسيا.
الثاني، أن سياسة “العصا” التي تضغط بها الولايات المتحدة على دول المنطقة تدفعها للبحث عن تعاون بديل والتقرب من القوى العالمية الأخرى.
وبينما طورت الصين وروسيا علاقاتهما مع دول المنطقة في الشرق الأوسط مؤخرًا، كانت للولايات المتحدة علاقات متوترة مع كل من الدول الحليفة والمعادية. لذلك، ليس من المتوقع أن تتغير سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بشكل كبير في ظل إدارة بايدن.
]]>لم تكن حادثة اغتيال إيهاب الوزني هي الوحيدة في العراق، فقد وقعت عدة هجمات لم يتم التعرف على فاعلها منذ بدء المظاهرات في أكتوبر/تشرين الأول 2019، فعلى سبيل المثال، في كانون الأول/ ديسمبر 2019 نجا الوزني من حادثة اغتيال الناشط البارز فاهم الطائي. إذ كان هذان الشخصان هما الناشطان الرئيسيان في المظاهرات التي اندلعت ضد الفساد والتدخل الإيراني في العراق.
لم تقتصر تلك الهجمات على هذا فحسب، فقد قُتِل أيضاً هشام الهاشمي في 6 تموز/يوليو 2020، وهو أحد المحللين العراقيين المشهورين عالمياً، كما اغتيل نشطاء بارزون آخرون مثل تحسين أسامة وريهام يعقوب في آب/أغسطس 2020، وسجلت تلك الاغتيالات ضد مجهول. ولم يعلن عن منفذي تلك الهجمات حتى الآن.
بعد استقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي في كانون الأول/ديسمبر 2019، تحدت المظاهرات نفوذ القوى والأحزاب السياسية المدعومة من إيران. ويُعتقد أن هذه القوى كان لها دور في اغتيال الوزني وانسحاب بعض مرشحي حزب “بيارق الخير” وهو أحد الأحزاب السياسية الداعمة للمتظاهرين.
واتهمت جماعة كتائب حزب الله الشيعية المرتبطة بإيران سفارتي المملكة المتحدة في بغداد وبيروت بالتحريض على التظاهرات بعد اغتيال الوزني.
تم تأجيل الانتخابات البرلمانية العراقية إلى تشرين الأول/ أكتوبر 2021، لكن مع اقتراب موعد الانتخابات فإن التوترات تتصاعد بين المتظاهرين والأحزاب السياسية التقليدية وبين الجماعات المرتبطة بإيران.
وأعرب المتظاهرون الذين حصلوا على دعم خفي من بعض علماء الشيعة عن معارضتهم لتأثير إيران الأيديولوجي والسياسي في العراق، وطالبوا بالإصلاحات السياسية والاقتصادية داخل البلاد.
كما صرح علي السيستاني وهو أحد كبار علماء الشيعة بأنه “لا يمكن لأي فرد أو جماعة، ولا فاعل إقليمي أو عالمي، قمع رغبات العراقيين”. ومن هذا المنطلق سيكون من المفيد التطرق إلى الأسباب التي تغذي الغضب تجاه إيران في العراق.
تعرض المتظاهرون لعنف مستمر من قبل الميليشيات المرتبطة بإيران، ولم تستطع الحكومات المتعاقبة في العراق الضغط على تلك الميليشيات. وأعلنت الأمم المتحدة أنه منذ تشرين الأول / أكتوبر 2019، تم قتل المئات من المتظاهرين وجرح واختطاف الآلاف منهم.
وطالب المتظاهرون أيضاً بسنّ قانون انتخابي جديد من شأنه كسر احتكار الأحزاب السياسية التقليدية في البرلمان وتسهيل دخول المرشحين المستقلين والأحزاب الصغيرة والحديثة إلى البرلمان. وفي هذا الصدد، أدلى السيستاني بتصريحات تتعلق باعتماد قانون انتخابي جديد، والذي تم قبوله لاحقاً. وأعطت قوانين الانتخابات العراقية السابقة للأحزاب والائتلافات الكبيرة والمتوسطة ميزة للمرشحين المستقلين والأحزاب الصغيرة، بينما قسَّم القانون الانتخابي الجديد العراق إلى 83 دائرة انتخابية.
من المتوقع مبدئيًا أن يؤدي تضاعف الدوائر الانتخابية في العراق إلى خلق بيئة أكثر تنافسية، لذلك فإن من المنتظر أن تحصل الأحزاب السياسية الصغيرة على موقع أكثر فائدة من حيث المنافسة في الانتخابات. وعلى الرغم من ذلك، فإن قانون الانتخابات الجديد سيسمح لبعض الأحزاب السياسية القوية بالحفاظ على نفوذها وسيمكنها من الفوز بالانتخابات.
يسمح قانون الانتخابات الجديد للمرشحين المستقلين والأحزاب السياسية الصغيرة بالتنافس في الوضع السياسي والأمني ​​المعتاد، إلا أنه من الناحية العملية فمن المتوقع أن يعطي ميزة للأحزاب ذات القاعدة المحلية القوية، مثل التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر. كما يسمح للأحزاب السياسية التقليدية ترشيح أفراد ذات خلفية قبلية أو دينية تمتلك قاعدة اجتماعية. وكان مثل هؤلاء الأفراد أداة للأحزاب السياسية التقليدية للفوز في الانتخابات مقابل إعطائهم بعض الامتيازات. من الواضح أن قانون الانتخابات الجديد لن يغير من الوضع السياسي للبلاد، حيث سيسمح لبعض مرشحي الأحزاب بتبادل المناصب في الدولة مع القبائل أو الشخصيات الدينية ذوي القاعدة المحلية القوية.
يؤثر عدم الاستقرار الأمني في العراق بشكل سلبي على التظاهرات القائمة ضد النفوذ الإيراني في العراق، وهذا ناتج عن حقيقة وجود بعض الميليشيات المرتبطة بإيران والتي تعمل خارج إطار الدولة القانوني.
أدى مقتل سليماني وأبو مهدي المهندس، الذي كان القائد الفعلي لقوات الحشد الشعبي، إلى قيام فراغ يسعى قادة الميليشيات جاهدين لملئه. وحتى الآن، فشل خليفة المهندس، المدعو أبو فدك المحمداوي، في ملء الفراغ، وبذلك فتح المجال أمام أشخاص كالخزعلي لمحاولة اتخاذهم دور قيادي بين الميليشيات المدعومة من إيران.
بالإضافة إلى ذلك، فإن دعم كتائب السلام للصدر، ودعم بعض الجماعات المسلحة لتحالف الفتح يؤدي إلى انتهاك قانون الأحزاب السياسية، ويمكن لهذه الأحزاب استخدام هذه الجماعات المسلحة للتأثير على نتائج الانتخابات.
أخيرًا، يمنع نظام التقسيم العرقي والديني في العراق المتظاهرين من الحصول على مكاسب ونفوذ سياسية، لأنه يُبقي الوضع السياسي الذي يهيمن على النخبة السياسية قائم على ما هو عليه. كما يساعد هذا الوضع لدعم وترسيخ استراتيجية إيران المتمثلة في ترك العراق ضعيفًا.
تعهد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بإعادة ميليشيات الحشد الشعبي السابقة للخدمة في اجتماع مع نواب يمثلون تحالف فتح. في حين أدخلت حكومة الكاظمي تخصيصات في الميزانية لعودة أعضاء الحشد الشعبي السابقين في قانون الموازنة، لكن مجلس النواب ألغى تلك المخصصات لخفض الإنفاق. ونتيجة لذلك، فإن حالة عدم الاستقرار السياسي وانعدام الأمن في العراق ستمنع المتظاهرين من تحدي الأحزاب السياسية التقليدية ونفوذ إيران.
]]>اتجهت الجزائر نحو الانتخابات التشريعية وهي لم تخرج بعد من تأثير ما يوصف بالإحباط الشعبي الذي اتسمت به عهدة الرئيس الجديد منذ الأشهر الأولى، بعد تدهور الوضع الاقتصادي، وفيروس كورونا، كان حراك فبراير 2019 نقطة تحول كبيرة في تاريخ الجزائر الحديث، بعد اعتبارها البلد العربي الوحيد الذي لم ينخرط في موجة التغيير الكبيرة التي مسّت جل بلدان الوطن العربي خلال العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين، وخرج الشارع الجزائري في مطلب أساسي واضح وصريح بعد إعلان ترشح الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، اعتبرتها المعارضة وشريحة كبيرة من السياسيين والمجتمع المدني، استفزازاً لمشاعر الجزائريين الذين ينتظرون التغيير بعد عقدين من الزمن، ضمن أربع فترات رئاسية متتالية، تراجعت فيها الجزائر على عدّة مستويات، وأصبحت رؤية رئيس الجمهوريّة أو سماع خطاباته مطلبا بعيد المنال.
بعد شهر ونصف من المظاهرات المليونية التي جابت البلاد، تدخّل رئيس الأركان الراحل عبد القادر بن صالح وطالب بتطبيق المادة 102 من الدستور والتي تنص على أن يحل رئيس مجلس الأمة محل الرئيس مدة 45 يوما إذا تعذر عليه ممارسة صلاحياته بسبب الوفاة أو المرض، تم الإعلان بعدها عن تراجع بوتفليقة عن الترشح، وتأجيل الانتخابات، خلال هذه الفترة تطوّرت مطالب الحراك، فلم يعد تحقيق إسقاط العهدة الخامسة كافيا، خاصة بعد شغور منصب الرئيس، وتواصلت الاحتجاجات مطالبة بتغيير النظام كاملا، وإسقاط جميع رموزه، وما اشتهر في الشارع الجزائري بشعار “يتنحاو قاع”، ويعدّ الحزب الحاكم (حزب جبهة التحرير الوطني)، أول من شمله هذا المطلب، غير أنه مازال يتصدّر المشهد السياسي، وهناك من يذكر الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون كرمز له باعتباره مناضلا سابقا في صفوفه، غير أنّه قدّم ملفّه للانتخابات الرئاسية كمترشّح حرّ، وفاز بالرئاسة بنسبة 58 بالمائة.
بعد الانتخابات الرئاسية التي قاطعتها بعض الجهات، وسكتت عنها بعض القوى السياسية، قدّرت فيها نسبة المشاركة ب ـ39.8 بالمائة، لم يعد الحراك بنفس القوّة التي كان عليها أوّل الأمر، فقد امتصّ النظام حنق الشارع وأعاد توازنه بفتح باب الحوار ومحاسبة عدد من رموز النظام السابق، وانخراط بعض أيقونات الحراك في مشاريع الحكومة الجديدة، كما أن افتقاده منذ انطلاقته إلى قيادة مركزية يُجمع عليها الشارع ويلتف حولها، أدّت إلى إفشاله وإضعاف صفوفه.
اعتمد النظام الجزائري شعار “الجزائر الجديدة” كصورة يظهر بها نوايا التغيير الذي كان ينشده الشعب من نزاهة انتخابات، وتفعيل دور الكفاءات الجزائرية لتحقيق التنمية الاجتماعية والازدهار الاقتصادي، لكن ما حدث يعبّر عنه قطاع كبير من المجتمع على أنه لم يعدُ أن يكون تغييرا للوجوه فقط، مع المحافظة على النظام ذاته. فيما يراه آخرون قد تحقق بالفعل وإن على حساب الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
المرحلة التي يمرّ بها الحراك اليوم هي أضعف مراحله منذ بدايته في 22 فبراير 2019 فهو يتواصل اليوم بعدد ضئيل جدا، يتمسّك به أصحاب النضال من أجل قضايا محدودة النطاق كما هو الحال بالنسبة لأصدقاء وعوائل معتقلي الرأي من شباب وطلبة ورموز، وعدّ هذا الأمر من الملفات التي تحسب على الحكومة الجديدة التي اعتمدت في قمع المظاهرات واعتقال الناشطين، على ما جاء في دستور 2020 الجديد من مواد مطاطة يمكن تكييفها مع أي سلوك صادر من النشطاء على أنّه تهديد للنظام العام، كتهمة التجمهر غير المسلّح دون رخصة.
تستمر الاحتجاجات وتواصل الدولة بالمقابل إصرارها على تحقيق المسار السياسي وتعزيزه عن طريق الانتخابات التشريعية هذه المرّة، حيث قاطعتها شريحة عريضة من المجتمع وشاركت فيها حتى المعارضة، وعرفت بنسبة مشاركة ضعيفة، صرّح رئيس الجمهورية أنها لا تهم، كما أن رئيس السلطة المستقلة للانتخابات لم يذكرها، واكتفى بتأكيد ما قاله أحد الصحافيين الحاضرين في مؤتمر الإعلان عن النتائج، مما جعل بعض الأحزاب تطالب بالإجابة عنها كتساؤل.
عرفت الانتخابات التشريعية 2021 مشاركة واسعة للقوائم الحرّة التي بلغ عددها 837 قائمة في مقابل 647 قائمة حزبية، ولاقت فئة الشباب الأقل من 40 سنة دعما ماديا بلغ 1800 دولار لتسيير حملاتهم الانتخابية.
وشهدت الحملة الانتخابية منذ بدايتها يوم 21 مايو جولات ميدانية للمترشحين والأحزاب السياسية لعرض برنامجهم السياسي وحشد الشارع، وتبرز على الساحة جلية أحزاب السلطة، حزب جبهة التحرير الوطني الذي طالب كثيرون بإحالته على المتحف السياسي باعتباره تراثا شعبيا مشتركا تعلق اسمه بجبهة التحرير الوطني، الحركة العسكرية التي قادت ثورة التحرير الوطنية، إلى جانب حزب التجمع الوطني الديموقراطي، الذي يعد حزبا داعما للسلطة منذ تأسيسه.
خلال الحملة الانتخابية، صرحت حركة مجتمع السلم باعتبارها أقوى حزب محسوب على المعارضة بأنها تراهن إلى أبعد الحدود على هذه المحطة الانتخابية في أن تكون على أعلى درجة من الشفافية، خاصة من خلال ما حمله قانون الانتخاب الأخير من إصلاحات هامة. وطرحت الحركة برنامجا انتخابيا سمّته الحلم الجزائري، يحمل في طياته خطة تنموية متكاملة يراها رئيس الحركة ومناضلوها باب النجدة التي تنشده الجزائر للخروج من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية.
من جانب آخر صرح بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني خلال عرضه لبرنامجه أن حزبه يمثل مقاربة المشاركة المقبلة في الحكم، ولابد من نموذج حكم جديد يعتمد على شرعية الصناديق.
استدعت السلطة الانتخابية المستقلة اللجان الانتخابية للتصويت يوم 12 حزيران وأظهرت النتائج النهائية تقدّم حزب السلطة التقليدي بـ 105 مقاعد في البرلمان، وصرح الأمين العام للحزب بعجي أبو الفضل أن من أراد إدخال “الافلان” إلى المتحف فقد أخطأ. وقال إن النتيجة هي رد على من قال أن الحزب انتهى، جوابنا أن الحزب تجدد و تمدد و لم يتبدد، نحن نراهن على التغيير و ها نحن نغير بمناضلين ذوي كفاءات، غيرنا ب 98 بالمائة لم يدخلوا البرلمان من قبل.
على غير العادة، استمر الفرز في بعض الولايات يومين جعلت الكثير من الأحزاب تتذمر من تأخر الإعلان عن النتائج وأبدت تخوفها من التلاعب بها، خاصة وأن بعضها لم يحصل على محاضر الانتخاب لعدة مراكز، وجاء إعلان السلطة المستقلة للانتخابات عن النتائج بعد 70 ساعة من انتهاء العملية الانتخابية عن طريق رئيسها محمد شرفي، لم يذكر فيها النسبة ولا عدد الأصوات المعبر عنها لكل حزب كما أنه صنف القوائم الحرّة ككتلة انتخابية، مساويا إياها بالأحزاب السياسية، وسماها بكتلة الأحرار، ليكون مركزها الثاني بعد حزب الأفلان المتصدر لتأتي بعدها حركة مجتمع السلم ب 64 مقعدا في المرتبة الثانية كحزب، وقد أشار لهذه النقاط وغيرها رئيس “حمس” خلال مؤتمر صحفي يوم 16 حزيران، قال فيه أنه يبرئ رئيس الجمهورية مما حدث من تجاوزات، ولا يتهم رئيس السلطة المستقلة للانتخابات لأنه لا يملك الوسائل التي تمكنه من تغطية ومراقبة كل مراكز التصويت، لكنه في الوقت ذاته طالبه بالردّ على الطعون التي قدّمتها حركته، وأنكر عليه احتفاءه بالقوائم الحرة، وقال إنه كان من الأحرى الإشارة إلى ظاهرة عودة حزب جبهة التحرير الوطني إلى التصدّر، وأضاف في إطار العمل على تحقيق برنامج حركته أنه يسعى للتنمية الوطنيّة، والكفاح من أجل الحريات، وصيانة هويّة الوطن وسيادته، والقضاء على ما أسماه ببقايا العصابة وأنه سيقف جنبا إلى جنب مع كل من يريد القضاء عليها، كما ذكر هدفه لتحقيق استقلالية القضاء، وإطلاق سراح معتقلي الرأي، ومناهضة التطبيع وعدم السماح بالاختراق الصهيوني كما قال أن النتائج المعلنة لا تمكن حزبه من قيادة الحكومة لكنه يهدف إلى إجراء حوار وطني حقيقي لخدمة البلد إذا ما كانت عروض المشاركة تتوافق مع رؤية حركته.
بعد الطعون التي قدّمت بدت استجابة العدالة الجزائرية لها وبدأت التحقيقات والمحاسبات على غير ما اعتاد عليه الشارع السياسي الجزائري من محسوبية ورشاوي كانت تضمن الصدارة لأحزاب النظام السابق، وقد أدانت محكمة الجنح بولاية تبسة 4 متورطين في قضيّة سرقة أوراق مخصصة للتصويت، بعامين حبسا نافذا وما قيمته 180 دولار غرامة. ويتابع قضائيا 7 أشخاص بتهمة التزوير وزيادة محاضر وأوراق الناخبين في ولاية المسيلة، إلى جانب استمرار التحقيقات في ولايات أخرى أيضا.
وإن دلّ هذا التحرّك على شيء فإنما يدلّ على نيّة السلطة في تحقيق العدالة والسّعي الحثيث لإنهاء عهد التزوير الذي عرفه النظام السابق، فرغم نسبة الانتخابات المعلن عنها والتي وصفها السياسيون والمراقبون بالضعيفة إلا أنها اعتبرت حقيقية عارية من التضخيم، خاصة وأن قانون الانتخابات الجديد لا يفرض نسبة محدّدة لاحتساب النتيجة أو إلغائها، ويسلّط عقوبات تصل إلى عشرين سنة سجن، وغرامات ماليّة للمتورّطين في التزوير، أو الذين يعيقون عملية التصويت وفرز الأصوات بأي شكل من الأشكال، كما أوضح المحامي المعتمد لدى المحكمة العليا نجيب بيطام أن السلطة اليوم تتعامل بحياد تام مع العمليّة الانتخابية مع وجود إرادة سياسيّة وقضائيّة على تفعيل القانون بصرامة، والذي كان معطلا على مدى العقود السابقة.
في انتظار الإعلان النهائي عن نتائج الطعون والمحاكمات القضائية في حق المتهمين والمتورطين فيما صنف ضمن جرائم قانونية خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة في الجزائر، يبقى الشارع السياسي الجزائري منقسما بين من يراهن على نية السلطة الجديدة في تحقيق العدالة السياسية والحياد المنشود، وتفعيل القانون، ومعاقبة الجناة، والتحرر من بقايا النظام السابق، الذي ظهر مرّة أخرى كما يراه كثيرون في تصدّر حزب جبهة التحرير الوطني، والتجاوزات الخطيرة الموثقة، والتي تعدّ كابوسا يلاحق الشارع الذي خرج من الحراك على أمل القضاء التام على الرابط التاريخي مع النظام الذي أسقطه في شخص رئيس الجمهورية السابق عبد العزيز بوتفليقة، وعدّة رموز أخرى، وبين من يجزم من جهة مقابلة على فقدان الأمل في تحقيق التغيير والجزائر الجديدة المنشودة بقيادة السلطة الجديدة والتي يرونها امتدادا واضحا لروح النظام السابق، بالأهداف ذاتها وإن اختلفت الآليات.
]]>تغريدات أصلترك حملت عدداً من الانتقادات لإدارة حزب السعادة، حيث قال خلالها أن الحزب بخطابه الحالي لا يلامس تطلعات الشباب، ولا يؤثر فيهم، وأن حزب السعادة ينبغي أن يعمل في ضوء توجيهات ورؤى نجم الدين أربكان.
هل يستمر حزب السعادة في حلف الشعب، أم ينضم إلى حزب الجمهور؟
بدأ الصراع داخل أجنحة حزب السعادة منذ قرار رئيس الحزب تمل كارا موللا أوغلو الانضمام إلى “تحالف الشعب” في الانتخابات البرلمانية عام 2018، ما يعني أن يقف حزب السعادة الإسلامي في نفس الصف مع حزب الشعب الجمهوري العلماني المعارض، ضد اليمين المحافظ التركي (حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية).
وبدخول حزب السعادة إلى هذا الحلف، نجح في حصد صوتين في البرلمان التركي لأول مرة منذ 20 سنة، وصار الحزب يتحرك في إطار هذا الحلف في معارضته للحكومة، وخطاباته التي صارت تمس القضايا الإقتصادية للدولة، ومسائل الحريات العامة، بدلاً من تركيزها على القضايا الإسلامية أو السياسة الخارجية كما كان عهد الحزب منذ تأسيسه.
وفي إطار هذا الحلف، رأى رئيس الحزب تمل كارا موللا اوغلو ان الحزب بحاجة إلى كوادر جديدة وشابة، تحمل فكراً “منفتحا” أكثر، وقادر على إدارة العلاقات مع الأحزاب العلمانية في إطار نفس الحلف، الأمر الذي تسبب بنزاعات واختلافات واسعة داخل كوادر الحزب السياسية، التي رأت أن الحزب أخذ يخسر نفسه وهويته ويذوب في بوتقة تحالف الشعب.
ورأى أنصار الفكر الإسلامي التقليدي في الحزب وعلى رأسهم اوغوزهان اصلترك أن الحزب صار يخسر نفسه وينزلق في مناح خطيرة، وذلك في اتجاهين متوازيين:
الإتجاه الأول: ابتعاد حزب السعادة عن أي خطاب إسلامي بحت، واقتصار نقده للحكومة على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، بعيداً عن أي تصريحات “راديكالية” قد تؤثر سلباً على العلاقات مع الحلفاء.
الإتجاه الثاني: استبدال اعضاء قيادة الحزب واللجنة المركزية فيه، بقادة جدد مرتبطون بشكل أقل بالايديولوجيا التقليدية لحزب السعادة، ولم تقتصر حملة التغييرات هذه على قيادة الحزب في أنقرة، بل حاول كاراموللا اوغلو استبدال قادة الحزب في المحافظات المختلفة، وحين حاول تغيير رئيس الحزب في اسطنبول، عبدالله سفيم، اشتعل خلاف كبير بين جناحي الحزب، ورفض سفيم التنازل عن اسطنبول قائلاً إن اوغوزهان اصلترك هو من رشحه لهذا المنصب، ورفض ان يغير مكانه ومنصبه، إلى ان تدخل اوغوزهان اصلترك وطلب منه أن يقدم استقالته درءاً “للفتنة”!
هذه السياسة التي اتبعها حزب السعادة لاقت ردة فعل عكسية لدى الجماهير، كما ان جمعية الأناضول للشباب، والتي تعتبر الجناح الشبابي للحزب، صارت تتحرك بشكل منفصل، تحت قيادة اوغوزهان اصلترك، بعيداً عن قرارات الحزب، وعكسها أحياناً، مما أدى إلى نشوب خلافات تطور بعضها، وظهرت في وسائل الإعلام.
وأبرز هذه الخلافات كانت في قضية جامعة بوغاز اجي، حيث أقدم طلاب معارضون لتعيين عميد جديد لجامعة، بعرض صورة مسيئة للكعبة، حيث لاقت ردة فعل عنيفة داخل مختلف قطاعات الشعب التركي، وقامت حينها جمعية الأناضول للشباب بتنظيم مظاهرة تشجب الإساءة للكعبة المشرّفة، ورغم موقف الشعب التركي الموحّد ضد هذه الإساءة، إلا أن القيادي في حزب السعادة حينها علي اكتاش، أدلى بتصريحات قال فيها إن الصورة هي من باب التعبير عن الرأي، ولا تمثّل إساءة للكعبة!
هذه التصريحات جعلت اوغوزهان اصلترك يتدخل شخصياً لإبعاد هذا القيادي عن الحزب، في رسالة اعتراض واضحة على الكوادر الجديدة في حزب السعادة!
فرصة تاريخية يقتنصها حزب العدالة والتنمية وأردوغان في طريق 2023
مع انضمام حزب السعادة إلى حلف الشعب المعارض في الانتخابات العامة عام 2018، لم يُظهر اردوغان اهتماماً كبيراً بالسعادة، بل انه رفض ان يتحالف معهم بتأثير من حزب الحركة القومية، في هذه الانتخابات والانتخابات التي قبلها، ولكن في الانتخابات المحلية عام 2019، وخسارة حزب العدالة والتنمية لبلدية اسطنبول لأول مرة، بدأت جهود داخل حزب العدالة والتنمية لترميم العلاقات مع السعادة، حيث رأى العدالة والتنمية ان الاصوات القليلة لحزب السعادة في انتخابات اسطنبول تكفي لترجيح الكفة لصالح احد الطرفين.
وبدأت حملة التقارب هذه بزيارة مرشح رئاسة بلدية اسطنبول لصحيفة “مللي غزته” الصحيفة التاريخية لحركة المللي غوروش، حيث قال إن الإخوة ينبغي أن يقفوا مع بعضهم البعض، لا أن يقفوا في صفوف الغير!
ولم تنفع هذه الجهود في جولة إعادة انتخابات اسطنبول، فخسر بن علي يلدرم أمام مرشح حزب الشعب الجمهوري اكرم امام اوغلو، وتلقى حزب العدالة والتنمية درساً قاسيأً في اهمية عدم التفريط بأي صوت في الانتخابات.
بعد انتخابات 2019، وبحسب بعض المصادر الموجودة داخل الحزب، جرت لقاءات عدة بين أشخاص محسوبين على جناح اوغوزهان اصلترك من حزب السعادة، وبين مسؤولين من حزب العدالة والتنمية، كانت هذه اللقاءات سريّة وغير معلن عنها، إلا أنها ظهرت للعلن، حين قام أردوغان بزيارة اوغوزهان اصلترك في مطلع عام 2021، وتناول طعام الإفطار معه في اليوم الثاني من شهر رمضان الماضي.
ويظهر أن الرئيس التركي أردوغان يحاول الاعتماد على الأشخاص من أصول اسلامية تقليدية، كي يقلل من هيمنة القوميين في اجهزة الدولة المختلفة بعد تحالفه معهم، خصوصاً أن الصراعات التي تجري بين أجنحة القوميين المختلفة على العطاءات والقضايا الاقتصادية والتجارية تنتقل إلى الرأي العام، لتعطي صورة سلبية عن تحالف “الجمهور” الذي يقوده أردوغان.
سيناريوهات المستقبل:
الحركة الإسلامية التركية تقف اليوم على مفترق طرق، إضافة لصراع داخلي حول العلاقة مع حزب العدالة والتنمية بين تيارين أساسيين:
تيار بقيادة تمل كاراموللا اوغلو يرى أن حزب العدالة والتنمية وأردوغان يضران تركيا كثيراً، ويبرر لنفسه الوقوف مع أي طرف آخر حتى لو كان أقصى اليسار العلماني، في سبيل اسقاط اردوغان، وعدم السماح له بالفوز في انتخابات 2023.
وتيار بقيادة اوغوزهان اصلترك، يرى أن الرئيس التركي أردوغان بسياساته الأخيرة المتمثلة في فتح مسجد آياصوفيا، ومعاداته للغرب وأمريكا، يقف في إطار رؤية حركة “مللي غوروش”، ولذا ينبغي العمل معه ومساندته في هذه المرحلة الصعبة داخلياً وخارجياً، خصوصاً وأن اردوغان يمد يده لمثل هذا التعاون، وهي سابقة تاريخية لم تحصل من قبل بين الطرفين.
وفي ضوء ما أسلفنا من تطورات، فإن المشهد داخل حزب السعادة قد ينتهي بسيناريوهين اثنين:
السيناريو الأول وهو الأرجح، نجاح أوغوزهان اصلترك بقاعدته الجماهيرية الواسعة من إزالة قيادة حزب السعادة الحالية، لتتغير قيادة حزب السعادة، وتتغير معها سياسة حزب السعادة وموقعها من الخارطة السياسية التركية، إذ سنشهد حينها تقارباً أكثر مع تحالف الجمهور بدلاً من تحالف الشعب، وهذا التغيير ممكن بعد عقد المؤتمر العام للحزب من جديد، وخسارة تمل كاراموللا اوغلو في المؤتمر القادم.
السيناريو الثاني هو نجاح تمل كاراموللا اوغلو في المؤتمر القادم، وهذا الأمر سيؤدي إلى انشقاق كبير داخل حزب السعادة، وهذا الانشقاق سيؤدي إلى بقاء حزب السعادة برئيسه تمل كاراموللا اوغلو بعيداً عن الجمهور الإسلامي التقليدي، بينما سينتقل جمهور الحزب الأغلب، والذين تبلغ نسبتهم 1.5% من الناخبين الأتراك، إلى حزب جديد قد يؤسسه المقربون من اوغوزاصلترك.
والعامل الثابت في هذين السيناريوهين أن الأمور قد وصلت إلى نقطة اللارجوع بين التيارين داخل الحزب.
]]>وأظهرت المقاومة القوية لغزة (المحاصرة منذ 14 عاما) أن الجهات الدولية والإقليمية ستضع حركة حماس ضمن حساباتها من الآن فصاعدا، باعتبارها الفاعل الأهم في غزة. كما أن الحرب الأخيرة تؤكد فشل مشروع عزل ”غزة“، وانهيار ما يعرف بـ ”صفقة القرن“، والتي هندستها الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب وطبّعت على إثرها دول عربية عدة علاقاتها مع إسرائيل.
لكن المعطى الأهم للحرب الأخيرة، هو انكشاف حالة الضعف الأمني العميق في إسرائيل، وفقدانها لهيبتها، هي ومعسكر الدول الداعمة لها، ويمكن اختصار المشهد إجمالا بالقول أن النصر كان حليف الفلسطينيين ومن دعمهم، والخسارة لحقت بإسرائيل ومن طبع معها.
وطبقاً لمقاييس الفوز والخسارة، فإن الأثر النفسي لهذه المواجهة على كلا الطرفين يعد عاملاً بالغ الخطورة. فعلى الجانب الفلسطيني، زادت هذه المواجهة من حالة الأمل ورفع المعنويات، بينما أغرقت الشعب والدولة الإسرائيلية في قلق أمني خطير، سينعكس على الأحداث المستقبلية، مشكلاً قاعدة لكل المخاوف الأمنية الإسرائيلية في المستقبل.
ويمكن القول بأن الفشل في سياسة عزل ”غزة“ (التي فرضت من قبل نتنياهو وترامب) يقابله فراغ كبير من ناحية إيجاد سياسة بديلة لها، وبالعكس، فقد تصدرت ”غزة“ المشهد، وجعلت نفسها درعا ضد الاعتداءات على القدس وحي الشيخ جراح والمسجد الأقصى، وستظل مقاومتها محفورة آثارها في المستقبل، كما استطاعت غزة توحيد الفلسطينيين نحو القضية الرئيسية والأم، وهي ”تحرير فلسطين وتحقيق وحدتها وحماية مقدساتها“.
ونستطيع اعتبار المظاهرات التي اندلعت في مدن فلسطينية عدة، داخل وخارج الخط الأخضر، تطوراً ومؤشراً يضع الإدارة الإسرائيلية أمام طريق مسدود مقابل تعاظم مكانة حركة حماس في الشارع الفلسطيني وفي أوساط الفصائل. وقد أكسبت حركة حماس مكانة سياسية بعد المواجهة الأخيرة تؤهلها لفرض نفسها بميزان القوى الدولي من الآن فصاعدا في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وهذا يقابله مزيد من التراجع الى الخلف لمحمود عباس وحركة فتح، لاسيما بعد الأحداث التي جرت بالضفة الغربية.
ويبدو أن سياسة التوتر التي انتهجها بنيامين نتنياهو فشلت في تمكينه من تشكيل حكومة بعد انتخابات غير حاسمة، والنتيجة الكبرى التي سببها، والمتمثلة بإبراز هشاشة أمن إسرائيل أمام صواريخ حماس، والتي جعلت كل الأهداف الإستراتيجية والمدن الكبرى وتل أبيب تحت قصفها المباشر.
من جانب آخر، لا يخلو انخراط مصر في جهود التهدئة ومفاوضات وقف إطلاق النار من سياق أمريكي-إسرائيلي، قد يسعى لإعادة ترتيب أوضاع غزة عبر بوابة مصر. واستحضار الأحداث التي جرت بمصر داخليا، وحصارها لغزة طوال الأعوام الماضية، يبرز تناقضا واضحا لدى الحكومة المصرية، والتي يبدو أنها ركبت موجة الحدث لامتصاص ردود أفعال الشارع المصري وتحسين صورة حكومة السيسي الذي حول حرب غزة إلى دعاية شخصية لنظامه، وعينه مصوّبة نحو الاستثمارات لإعادة إعمار غزة ضمن حزمة مساعدات تصل إلى 500 مليون دولار، وهذه الانتهازية يقابلها تجاهل لحاجات إنسانية ملحة في قطاع غزة، منها علاج الجرحى نتيجة غارات إسرائيل، حيث استقبلت مصر 20 جريحا منهم فقط.
أما بخصوص الجانب الأمريكي، فثمة اعتقاد تؤكده الأحداث الأخيرة، بأن إدارة بايدن ستتواصل بشكل ما مع حركة حماس خلال الفترة المقبلة، وإن لم يكن بشكل مباشر، رغم أن حماس لاتزال على قائمة الإرهاب الأمريكية، لكن قد يضطر الأمريكان لمثل هذا التواصل خلف الكواليس لأجل إيقاف أو تخفيف التهديدات الصادرة من غزة تجاه إسرائيل، مع إمكانية أن يصب هذا التواصل في تقوية العلاقات مع المكتب السياسي لحركة حماس (والذي تتواصل معه قطر وتركيا) ضد جناح الحركة العسكري المدعوم بشكل غير مباشر من إيران.
ومما يزيد احتمال مثل هذا التواصل، حاجة إسرائيل لوقت طويل من التهدئة لمعالجة نقاط الضعف الأمني التي برزت لديها، والتي تؤكدها الأنباء التي تتحدث عن مطالب إسرائيل بتعويضات من الولايات المتحدة الأمريكية بقيمة مليار دولار بسبب إخفاق القبة الحديدية. ومع ذلك، فإنه من المستبعد انخفاض وتيرة الصراع واستمرار الهدوء لفترة طويلة، حيث سيستغل كلا الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، الوقت للاستعداد لمعركة جديدة (وربما مزيد من المعارك بعد ذلك)، كما ستزداد الأنشطة الاستخباراتية الهادفة لاكتشاف البنية التحتية العسكرية لحركة حماس تمهيدا لتدميرها في الحرب المقبلة، مع تأكيد حقيقة أن الحركة أنتجت صواريخ وذخائر عسكرية عالية الكفاءة، سيضطر الجميع لإعادة النظر في حساباتهم تجاهها.
وهذا التطور في إمكانيات حماس العسكرية سبب اختلالا بالموازين الأمنية، وعلى نحو لم تتوقعه المراكز الأمنية الأمريكية والإسرائيلية، ومن المتوقع أن يستمر لفترة طويلة. وأهم جوانب حيرة الخبراء الأمنيين تتعلق بحجم الأسلحة التي تمتلكها حماس، وكيفية تطوير الحركة لتكنولوجيا الصواريخ وزيادة مداها بشكل مضطرد، واستطاعتها تصنيع هذه الصواريخ في قطاع تبلغ مساحته 363 كم مربع، وكل شبر فيه هو تحت سمع وبصر العالم، رغم أن الحركة لم تتلق أي دعم من مصر المحاذية لها جغرافيا، بدءا من عهد مرسي وحتى إدارة السيسي الحالية. ولا يبدوا مقنعا الإدعاء بأن الحركة حصلت على الدعم من حزب الله اللبناني ومن ورائه إيران، إلا اللهم ما يتعلق بالدعم الفكري والتقني من دول مثل إيران والعراق، لكن تظل التجهيزات المادية تتم ضمن حدود قطاع غزة المحاصر.
بعيدا عن كل هذه التطورات، فإن حماس نجحت تماما في إيصال رسالة مفادها أن أي استفزاز في القدس سيكون الرد عليه من غزة، وأي هجوم على غزة سيوحد الفلسطينيين، خارج الخط الأخضر وفي الداخل المحتل، ضد إسرائيل.
وتظل بضعة أسئلة بلا إجابة، هل دخلت حماس هذه الحرب بشكل مخطط له سلفا، أما أنها انجرت إليها بشكل غير متوقع؟ وإذا كانت حماس قد خطط سلفا لخوض هذه الحرب، فهل هي مستعدة للمراحل المقبلة؟ وإذا لم تكن قد خططت لكل ذلك، فهل تستطيع تحمل تبعات الأحداث المستقبلية؟ وماذا سيكون ردة فعلها تجاه المآسي الجديدة التي قد تحدث؟
]]>أهمية الحدث:
من يقف وراء الهجوم؟
دلالات الحدث:
على مدى سنين عديدة، كانت العلاقة بين تركيّا والجماعات والميليشيات التي يشكل الأكراد جزءًا أساسيًّا من تركيبتها، متأرجحةً بين شدٍّ وجذبٍ مستمرّ، واتّخذت طابع النزاع المسلّح باكرًا ، وتكرّرت دورة العنف والسلم في هذا النزاع على مدى عقود.
ترجع جذور النزاع التركيّ الكرديّ إلى عام 1880م (انتفاضة عبيد الله النهري ثم انتفاضة البدرخانيين)، ثمّ تصاعد النزاع الذي امتد في فترة أتاتورك وانتفاضة الشيخ سعيد بيران في عام 1925، ثمّ انتفاضة جبل آغري، بقيادة الجنرال إحسان نوري باشا التي استمرّت أربع سنوات (1926 – 1930)، ثمّ انتفاضة الكُرد العلويّين (1937 – 1938).
وخلال الانقلابات التركيّة (1960 و1971 و1980)، ازدادت النزعة القوميّة في تركيّا وتصاعد السلوك القوميّ للدولة مما دفع إلى تصاعد النزاع مع الأقلّيّات كالأرمن والشركس والعرب والآشوريّين والأكراد كردّة فعلٍ على تعاظم النزعة القوميّة.
يُشارُ -عادةً- إلى عام 1973 أو 1974 على أنّه نقطة بداية الصراع بين الطرفين في شكله الأخير عندما أعلنت مجموعة بقيادة أوجلان عن بَدء نضال كرديٍّ منظّم لانتزاع ما اعْتُبِرَ حقوقًا كرديّةً وسرعان ما تحوّلت هذه المطالبات والتحرّكات إلى إعلان صراع مسلّح ضدّ تركيّا على يد حزب العمّال الكردستانيّ عام 1978 الذي تشكّل بقيادة أوجلان وتبنّى أيديولوجيّة يساريّة قوميّة.
في عام 1982 عقد حزب العمال الكردستانيّ مؤتمره الثاني في سوريّة، ومنها أعلن بدء عمله المسلّح ضدّ تركيّا، وصولاً إلى تنفيذ أولى عمليّاته المسلّحة ضدّ الجيش التركيّ في عام 1984، وهنا يمكن تسجيل نقطة التقاء كبيرة للعمل المسلّح لهذه الميليشيات والجماعات ضدّ تركيّا من سوريّة.
وبذلك يمرّ على الصراع المستمرّ بين حزب العمّال الكردستانيّ والجمهوريّة التركيّة منذ ذلك الوقت ما يزيد عن 30 عامًا سقط فيها آلاف الضحايا.
أمّا بالنسبة لمحاولات إصلاح العلاقة مع الأكراد من طرف تركيّا في الفترة الحديثة فقد ظهرت أولى هذه المحاولات في فترة تورغوت أوزال (1989 – 1993) الذي أفرج عن سجناء سياسيّين من مختلف الأطياف بمن فيهم الأكراد، واستبدل الحظرَ الكلّيّ للتكلّم باللغة الكرديّة بحظر جزئيّ عام 1991، حتى أنّه صرّح ذات مرة بأنه ينحدر من أصول كرديّة.
إلا أنّ الخطوة الأهمّ التي قام بها أوزال كانت إطلاق أوّل مفاوضات غير مباشرة مع حزب العمال الكردستانيّ في عام 1993 بوساطة الرئيس العراقيّ الأسبق جلال طالباني، والتي تجاوب معها حزب العمال بإعلان وقف لإطلاق النار بادرةً لحسن النيّة، وقد بلغت هذه المفاوضات حدًّا جيّدًا من التقدّم لدرجة بلورة اتفاق معيّن بين الطرفين، إلا أنّه في اليوم (بحسب ما يروي أوجلان في كتاباته التي يكتبها من السجن) الذي كان من المفترض أن يتم الإعلان فيه عن موعد يتفق عليه بين الطرفين خلال اتصال بين أوزال وأوجلان بالهاتف في 17/04/1993 ، وبدلاً من إجراء الاتصال فقد أُعلِنَ في ذلك اليوم بالتحديد عن وفاة تورغوت أوزال، لتعود الأمور إلى سابق عهدها من التصعيد والهجمات المسلّحة.
في عام 1997 أرسل رئيس وزراء تركيّا نجم الدين أربكان عدّة رسائل إلى أوجلان عبر الحركة الإسلاميّة في لبنان، لتكون بداية المفاوضات غير المباشرة الثانية بين تركيّا وحزب العمّال الكردستانيّ إلا أنّ هذه المفاوضات لم يُكتَب لها الاستمرار أو تحقيق التقدّم بسبب وقوع الانقلاب الأبيض الذي قام به الجيش التركيّ في نفس العام والذي أُبعِد بموجبه أربكان عن الحياة السياسيّة.
المفاوضات الثالثة بين السلطات التركيّة وحزب العمّال الكردستانيّ كانت مباشرة مع أوجلان نفسه، وذلك بعد القبض عليه في العاصمة الكينيّة (نيروبيّ) في عام 1999، حيث كان يلتقي مسؤولين عسكريّين وأمنيّين بعلم وتفويض حكومة بولند أجاويد، ولم يتبلور عنها شيء محدّد، ثم تلتها المفاوضات الرابعة التي تضمّنت لقاءات دوريّة فترة حكم حزب العدالة والتنمية ولكنها ،هي الأخرى، لم تصل لنتائج محدّدة إلا أنّها ساهمت ،ولا شكّ، في فهم أبعاد المشكلة بوضوح أكبر.
المفاوضات الخامسة هي الأطول والأهمّ بين الطرفين حيث جرت هذه المفاوضات السرية بين مسؤولين من أنقرة وحزب العمّال الكردستانيّ في العاصمة النرويجية (أوسلو)، واستمرّت من 2008 وحتى 2011 حيث توقّفت فجأة بعد عمليّة نفّذتها مجموعة تابعة لحزب العمّال الكردستانيّ على موقع عسكريّ تركيٍّ، وبعد تسريب تسجيلات صوتيّة لتلك اللقاءات إلى الإعلام التركيّ. ومع توقف هذه المفاوضات أوقفت السلطات التركية اللقاءات الدوريّة التي كان يجريها محامو أوجلان مع موكلّهم. واعتقلت العشرات منهم.
كنتيجة غير مباشرة لهذه الجولات التفاوضية والمحادثات واللقاءات مع زعيم حزب العمال، قرّرت السلطات التركيّة إفساح المجال للقوى الكرديّة للمشاركة في الحياة السياسيّة في تركيّا بشكل أوسع وبدء مسار فاعل لإطلاق مرحلة سلام جديدة في تركيّا، بهدف إنهاء هذا الصراع، حيث ركّز حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا كثيراً (ومازال) على الفصل بين المجموعات والميليشيات (التي يشكّل المسلّحون الكرد جزءاً كبيراً أو أساسياً من قوامها) وبين المجتمع الكرديّ كمكوّن ضمن مكوّنات أخرى في تركيّا.وكان اللقاء الذي جمع البرلمانيّة الكردية ليلى زانا مع أردوغان في 2012 محطّة البداية في مرحلة السلام الجديدة هذه.
في 2013 سمحت السلطات التركيّة لبرلمانيين أكراد عن حزب السلام والديمقراطيّة الكرديّ الاجتماع بأوجلان لسبع ساعات، وصرّح بعض المسؤولين الأتراك برغبتهم بإحلال السلام واتخذت عدة خطوات باتّجاه إحلال السلام تكلّلت بإعلان وقف لإطلاق النار، إلا أنّ جهود إحلال السلام هذه سرعان ما انهارت بشكل كبير في 2015 بعد تنفيذ تنظيم “داعش” عمليّة انتحاريّة، أسفرت عن مقتل عشرات النشطاء الأكراد، في ناحية سروج التركيّة (التابعة لمحافظة شانلي أورفه) ذات الأغلبيّة الكرديّة، قرب الحدود السوريّة، وما تلا ذلك من التطوّرات الجديدة في سوريّة والمنطقة من ناحية، وتمسُّك التنظيمات الكرديّة بعدم إلقاء السلاح إلا بعد تنفيذ شروطهم من ناحية أخرى، حيث شكّل ما يجري في سوريا فرصة لخروج القضيّة الكرديّة مجددًا إلى الضوء، للعب دور أساسيّ فيها، إلا أنها ما لبثت أن تحوّلت إلى ورقة مساوَمة بيد القوى الغربيّة التي سرعان ما استخدمتها ورقةً تتفاوض عليها مع الأطراف الدوليّة والإقليميّة.
تعود الإرهاصات الفعليّة للحديث عن العمليّة العسكريّة التركيّة نبع السلام لعام 2016 حين ذكر وزير الخارجيّة التركيّ مولود جاويش أوغلو تعهّدَ الرئيس الأمريكي باراك أوباما لتركيّا بسحب قوّات الاتحاد الديمقراطي الكردي في قسد من مدينة منبج فور السيطرة عليها، وأن يعودوا إلى شرق الفرات بعد انتهاء العمليّة، إلا أنّ حصول قسد على دعم كبير من التحالف الدوليّ لمحاربة داعش، ومن الولايات المتحدة (التي ترى قسد ا الأكثر فاعليّة في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلاميّة) منع من تحقيق ذلك بالرغم من المفاوضات والتجاذبات الطويلة بين تركيا والولايات المتّحدة، وذلك بالتوازي مع تنفيذ العمليّة العسكريّة الأولى لتركيّا درع الفرات في الأراضي السوريّة والتي استهدفت من خلالها السيطرة على الأراضي الممتدة بين مدينتي جرابلس وإعزاز في الشمال بعمق يصل إلى 30 كيلومترًا والتي انتهت بالسيطرة على قرابة 110 كم تقريبًا من الشريط الحدوديّ بين سوريّة وتركيّا والسيطرة على مدينة الباب غرب مدينة منبج.
وحتى مع إطلاق تركيّا عمليّتها العسكريّة الثانية غصن الزيتون بهدف السيطرة على منطقة عفرين شمال غربيّ حلب والخاضعة لسلطة قوات الاتحاد الديمقراطيّ، فقد حرص الرئيس التركي على أن يجدد تهديده بعملية عسكرية في مناطق شرق الفرات إن لم تنسحب قوات YPG من المناطق المحاذية للحدود الجنوبية لبلاده، فقال في 10 من آذار 2018 بأن بلاده «ستسعى إلى تطهير منبج وعين العرب وتل أبيض ورأس العين والقامشلي من الإرهابيين بعد الانتهاء من تطهير عفرين» وقد استمرّت المفاوضات المكثّفة بين الطرفين بهدف انسحاب قوات YPG من منبج حتى أقرّ بتاريخ 4/6/2018 من خلالها الاتفاق على خارطة طريق لحلّ الإشكال العالق بين تركيّا والولايات المتحدة. تمثل الاتفاق في تسليم منبج لمجلس محلّيٍّ وإخراج قوات الحماية منها وتسيير دوريات تركية أمريكيّة مشتركة لمراقبة تطبيق الاتفاق. إلا أنّ المماطلة في تنفيذ ذلك لم يرضِ طموح تركيّا الحريصة على أمنها القوميّ من خلال إزالة وجود المنظمات الإرهابية والانفصاليّة المرتبطةِ مع حزب العمال الكردستاني على طول الحدود السوريّة التركيّة، ومنعها من أ) إنشاء ممرّ يسمح لها ربط وجودها البرّي بين العراق والبحر المتوسّط، وب) إقامة كيان انفصاليٍّ عن سوريّة على حدودها الجنوبيّة، مما يهدّد واقع تركيا الأمنيّ والقوميّ.
جدّد الرئيس التركي تهديده بتنفيذ عملية عسكرية في مناطق شرق الفرات ومدينة منبج في غضون أيام قليلة في 12/12/2018 بناءً على أن منبج «خاضعة لسيطرة التنظيمات الإرهابية التي تتصرف بغطرسة والولايات المتحدة غير قادرة على إخراجهم، نحن إذن من سيخرجهم فقد بلغ السيل الزبى»، لتلي ذلك مباحثاتٌ مطوّلة بين الرئيسين التركي والأمريكي في 14/12/2018 تلاها إعلان الرئيس الأمريكيّ قراره بالانسحاب من سوريّة بتاريخ 18/12/2018 حيث أعلنت سارة ساندرز (المتحدثة باسم البيت الأبيض) عن البدء بذلك فعليًّا وذلك «تزامنا مع انتقال حملة التحالف الدوليّ ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية إلى مرحلة جديدة» .
كرّر الرئيس التركيّ تعهّده باجتياح منطقة شرق الفرات ومنبج في 8/1/2019 مشيرًا إلى إنهاء بلاده التحضيرات اللازمة لذلك وذلك إثر تصريحات لنائب الرئيس الأمريكي جون بولتون طالب فيها بتعهد تركيا على حماية «الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة» شمالي سوريّة، كشرط جديد لانسحاب الجيش الأمريكي من المنطقة.
قدّمت الولايات المتحدة في مفاوضاتها التالية مع تركيّا خطّة جديدة تتضمّن إقامة منطقة عازلة بين منطقتي رأس العين وتل أبيض وانسحاب وحدات الحماية منها وتدمير تحصيناتها العسكريّة بعمق 5-10 كم وتسيير دوريّات مشتركة فيها بين الولايات المتحدة وتركيّا (وقد بلغت سبع دوريّات مشتركةٍ قبل انطلاق معارك نبع السلام ) واتفقت تركيّا مع الولايات المتحدة على إنشاء «مركز عمليات مشتركة لإدارة وتنسيق المنطقة الآمنة» كما اتُّفِقَ على جعل «المنطقة الآمنة ممر سلام واتخاذ كل التدابير الإضافية لضمان عودة السوريين إلى بلادهم».
رفضت قسد أن تشمل المنطقة الآمنة كامل الحدود السوريّة التركيّة وفسّرت بند عودة اللاجئين السوريين لبلادهم بأنه خاصٌّ بأهالي المنطقة المعنيّة النازحين أو المهاجرين منها مع رفضها قدوم غيرهم من السوريين إليها. كما أشارت لاحقًا إلى أن المجالس العسكرية التي شكّلتها قسد مسبقًا ستكون البديل في مراقبة المنطقة الآمنة عوضًا عن وحدات الحماية الكردية. أعلن الرئيس التركي رفضه لذلك في 8/9/2019 وأشار في تصريحات له لاحقًا إلى أنّ تطبيق الخطة الأمريكية لاتفاق المنطقة الآمنة شمال شرقي سوريّة يسير لصالح قوات سوريّة الديمقراطية وليس لمصلحة تركيّا التي تهدف إلى القضاء على الإرهاب المعشّش شماليّ سوريّة، في حين أن واشنطن تحاول وضع تركيّا في ذات الكفة من حيث التعامل مع قسد، معتبرًا أنه لا يمكن «إنشاء المنطقة الآمنة عبر تحليق ثلاث إلى خمس مروحيات أو تسيير خمس إلى عشرة دوريات أو نشر مئات من الجنود في تلك المنطقة بشكلٍ صوريّ» مؤكّدًا على أنّه لا بدّ من «جعل المنطقة برمّتها آمنة بشكل فعليٍّ بمدنها وريفها» حتى يتسنى إسكان مليون شخص في هذه المنطقة قبيل انتهاء شهر أيلول، وأنه إن لم يتم ذلك «لن يكون لدينا خيار سوى تنفيذ خططنا الخاصة». وهو ما أكّده مرةً أخرى في 5 10 2019 حيث قال بأن الدوريات المشتركة مع أمريكا في إطار إنشاء المنطقة الآمنة «مجرّد كلام» وأنّ تركيّا وجهت إثر ذلك تحذيرات متعددة لأمريكا ثمّ أردف قائلاً: «اتّخذنا الخطط اللازمة، […] وسنشنّ [العمليّة العسكريّة] قريبًا إلى حدٍّ يمكن القول إنّها اليوم أو غدًا، […] عبر البرّ والجوّ».
صرّح البيت الأبيض في بيان له بتاريخ 7/10/2019 بأنّ القوّات الأمريكيّة ستنسحب من «منطقة عمليات القوات التركية» إضافة إلى إشارته إلى أنه ليس من مسؤولية الولايات المتحدة صرف الأموال على أسرى تنظيم الدولة، خاصة بعد رفض الدول الأوروبيّة استعادة مواطنيها من بينهم، وإناطة تركيا بمسؤولية هؤلاء الأسرى من الآن فصاعدًا.
وقد أعلنَ الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان بَدء عمليّة نبع السلام ضدّ قوات سوريّة الديمقراطية في 2019/10/7 بهدف إنشاء منطقة آمنةٍ وذلك إثر انسحاب القوات الأمريكيّة من حدود محاور العمليّات بين رأس العين وتل أبيض. وأشار مسؤولون أتراك إلى أن المعركة تجري وفق القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة.
1. فرنسا:
2. بريطانيا:
أكّد وزير الخارجية الألماني “هايكو ماس” خلال محادثة هاتفية مع نظيره التركي “مولود جاويش أوغلو”، في 10/10/2019 على مخاوف بلاده والاتحاد الأوروبي عامة من التداعيات السلبية المحتملة للعملية، وأبرزها “استعادة تنظيم الدولة الإسلامية قوته في المنطقة”.
ندّد وزير الخارجيّة الإيطاليّ “لويجي دي مايو” بالعمليّة التركية وطالب أنقرة بوقف إطلاق النار فورا، مشيرًا إلى أنّه “من غير المقبول استخدام القوة والمخاطرة بحياة المواطنين السوريين”.
أدانت الخارجيّة الهولنديّة العمليّة التركية وطالبت بوقفها في مجلس الأمن. كما وضّح وزير الخارجية الهولندي ستيف بلوك في بيان له بتاريخ 9/10/2019 بأنه استدعى سفير تركيا لدى بلاده وأبلغه تنديد هولندا بالهجوم التركي على شمال شرق سوريّة، مجدّدًا دعوته لتركيا بـ”عدم مواصلة السير في الطريق الذي تسلكه” على حدّ تعبيره.
صرّح رئيس الوزراء الدنماركي “يبي كوفو” على صفحته في موقع تويتر بأنه يشعر بالقلق الشديد جراء العملية العسكرية التركية في سوريّة، والتي يمكن أن يكون له تداعيات خطيرة على المدنيين وجهود محاربة تنظيم الدولة.
أدان وزير الخارجيّة لدولة الإمارات المتحدة العمليّة العسكرية التركية وقال: إن السبب الأساس لهذه العملية هو تداعيات الانقسام العربي، كما دعت إلى فرض تدخُّلٍ عربيٍّ حرصًا على وحدة سوريّة.
أ. قال الرئيس المصري بأن هناك حاجة ملحة للحوار بين جميع الأطراف السورية، مدينًا العملية التركيّة على أنها تسعى لـ “فرض أمر واقع جديد”.
ب. أدانت وزارة الخارجية المصرية الأربعاء 9/10/2019 الهجوم ودعت مجلس الأمن الدولي لوقف أي محاولات لاحتلال الأراضي السورية أو إجراء “هندسة ديموغرافية” لتعديل التركيبة السكانية في شمالي سوريّة.
ج. طالب وزير الخارجية المصري سامح شكري المجتمع الدولي باتخاذ كافة التدابير لوقف ما وصفه بـ “العدوان التركي على سوريّة”.
طالبت وزارة الخارجية البحرينيّة مجلس الأمن بالإسراع إلى الاضطلاع بمسؤولياته في التصدي لهذا الهجوم.
أعلن وزير الدفاع القطري تأييده للعمليّة.
وصفت الكويت العمليات العسكرية التركية بأنها تهديدٌ مباشرٌ للأمن والاستقرار في المنطقة، كما دعت إلى الالتزام بضبط النفس والبعد عن الخيار العسكريّ.
اعتبر رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح أن العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريّة “تصعيد خطير” قد “يعزز قدرة الإرهابيين” على إعادة تنظيم صفوفهم.
حذّرت حكومة إقليم كردستان العراق تركيا من التداعيات المحتملة للعمليّة العسكريّة، داعية إلى حلحلة التوتر عبر حوار بمشاركة الأطراف الكردية.
أ. شدّد وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف”، على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك 28/9/2019، على أن تركيّا مُحقة جدًا في المطالبة بـ”المنطقة الآمنة” في الشمال السوري “لأنها تواجه مشاكل بسبب الإرهابيين الذين يتسللون من المنطقة الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة”.
ب. 8/10/2019: دعا وزير الخارجية الروسي إلى حلّ الأزمة في شمال شرق سوريّة عن طريق الحوار بين الأكراد ودمشق، مبديًا استعداد روسيا “لبذل قصارى جهدها لإطلاق مثل هذه المحادثات الموضوعية”.
ج. عبّر الوزير الروسي عن أمله في أن تلتزم تركيا تحت جميع الظروف بوحدة الأراضي السوريّة في حال إطلاقها العمليّة العسكريّة.
د. رفضت روسيا إصدار بيانٍ مشتركٍ عن مجلس الأمن يدعو لوقف “نبع السلام”، حيث قال مندوب روسيا بأن “نبع السلام” جاءت نتيجة لعملية “هندسة ديموغرافية” قام بها بعض شركاء التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية. كما طالب خلال الجلسة كل الأطراف بـ “ضبط النفس”، تعليقًا على العملية العسكرية التركية، مشيرًا إلى أن روسيا دعت الأكراد للحوار مع دمشق عدة مرات لكنهم اختاروا “رعاة آخرين”ه.
1. 8/10/2019: أكد مجلس الأمن الدولي التزامه بسيادة سوريّة واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، موضّحًا أن الحل للأزمة فيها يتحقق بالطرق السلمية.
2. 8/10/2019: ناشد الرئيس الحالي لمجلس الأمن الدولي جيري ماتيوز ماتجيلا تركيّا بـ«”حماية المدنيين»” والتحلي «”بأكبر قدر من ضبط النفس»”.
3. 10/9/2019: اجتمع مجلس الأمن بدعوة من عدة دول في الاتحاد الأوروبي لمناقشة إصدار بيان يدين العملية، إلا أن رفض روسيا والولايات المتحدة لإصدار البيان حال دون الموافقة عليه.
توالت الانتقادات والتهديدات الأمريكيّة بفرض عقوبات على الجمهوريّة التركيّة لتنفيذها عمليّة عسكريّة في شرق الفرات، وكان الرئيس الأمريكي قد أوفد نائبه ووزير خارجيته في 17/10/2019 لمقابلة الرئيس التركي ووزير خارجيته بهدف التفاوض على وقف العمليات العسكرية وطمأنتهما بخصوص مشروع المنطقة الآمنة وانسحاب الميليشيات منها.
توصّلت تركيا والولايات المتحدة الأمريكية إثر اجتماع مطوّل بين الرئيس التركي ونائب الرئيس الأمريكي في أنقرة إلى اتفاق جديد تتضمن أبرز نقاطه تحديد المنطقة الآمنة وضمان سيطرة تركيّا عليها في الشمال السوري تحت سيطرة الجيش التركي ورفع العقوبات الأمريكيّة عن تركيّا.
أما النقاط التفصيلية في الاتفاق فقد أعلنت في بيان صحفي لاحقًا وهي:
عقدت قمّةٌ ثنائيّةٌ بين الرئيسين التركي والروسي في مدينة سوتشي يوم الثلاثاء 22/10/2019 (قبيل انتهاء المهلة الأولى المتفق عليها بين أمريكا وتركيّا بست ساعات) بهدف بحث عدة ملفات استراتيجيّة بين البلدين أبرزها مناقشة العملية العسكريّة في مناطق شرق الفرات (والتي نتج عنها اتفاق النظام وقسد على دخول قواته إلى عدة أماكن استراتيجية تطالب بها تركيّا في المنطقة الآمنة، مثل منبج والمالكية وتل تمر وعين العرب وعين عيسى). كما تمت مناقشة العمليات العسكريّة في إدلب والعمليّة السياسيّة المختصة بالحل السياسي في سوريّة والتي ابتدأتها الأمم المتحدة بإطلاق أعمال اللجنة الدستورية بحضور وفدي النظام والمعارضة.
صرّح الرئيس التركيّ قبيل لقائه بنظيره الروسي بأن هذا اللقاء «”سيوفر بشكل أقوى فرصة لبحث عمليّة السلام برمّتها في سوريّة»” وقد أعلن الرئيسان عن توصلهما لاتفاق جديد بخصوص الأزمة السوريّة وعملية “نبع السلام” العسكرية التي أطلقتها تركيا ضدّ القوى الانفصاليّة شمال شرقيّ سوريّة.
خرج الاتفاق في 10 بنود أكّدت في معظمها على تعاون الطرفين والتزامهما بوحدة الأراضي السوريّة والالتزام بالحلّ السياسيّ للأزمة. ورتكّزت فكرتها الرئيسة حول مصير مسلحي YPG في الشمال السوريّ. وقد تلا وزيرا الخارجية التركيّ والروسيّ البنود العشرة التي توصل إليها الرئيسان التركي والروسي خلال القمة كما في التفصيل الآتي:
تبتغي هذه الفقرة تقديم رصدٍ لأبرز التطوّرات اليوميّة منذ بدء عمليّة “نبع السلام” إلى حين تعليقها:
الاثنين: 7/10/2019:
الثلاثاء 8 /10/2019:
الأربعاء 9 /10/2019:
الخميس 10/10/2019:
الجمعة 11/10/2019:
السبت 12 /10/2019:
الأحد 13/10/2019:
الاثنين 14 /10/2019:
الثلاثاء 15/10/2019:
الأربعاء 16/10/2019:
الخميس 17/10/2019:
الأحد 20/10/2019:
الاثنين 21/10/2019:
الثلاثاء: 22/10/2019:
الأربعاء 23/10/2019:
الخميس 24/10/2019:
الجمعة: 25/10/2019:
السبت: 26/10/2019:
الأحد: 27/10/2019:
الأربعاء: 30/10/2019:
الثلاثاء: 5/11/2019:
الأربعاء: 6/11/2019:
الخميس: 7/11/2019:
الجمعة: 8/11/2019:
السبت: 9/11/2019:
الأحد: 10/11/2019:
الاثنين: 11/11/2019
الثلاثاء: 12/11/2019:
الجمعة: 15/11/2019:
أطلقت تركيا عملية نبع السلام بثمانين ألف جندي، لتكون العملية الأضخم في تاريخ الجمهورية التركية منذ تأسيسها. بهدف تطهير الحدود التركية السورية بطول يصل إلى 460 كيلومتراً تقريباً، وعمق يتراوح من 30 إلى 32 كيلومتراً من التنظيمات الإرهابية، تمهيداً لإنشاء منطقة آمنة تستوعب قرابة مليوني لاجئ، إضافة إلى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
التقدم العسكري منح تركيا قوة دبلوماسية مهمة استخدمتها لمحاولة فرض شروطها في محادثات معقدة مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، لبلورة اتفاق من عدة نقاط مع كل منهما.
كل من الاتفاق التركي الأمريكي والتركي الروسي، أكد على شرعية عملية نبع السلام والتحركات العسكرية التركية، وعلى أمن تركيا القومي وأهميته، وعلى ضرورة انسحاب ميليشيات YPG مسافة معينة بعيداً عن الحدود التركية السورية.
التحرك المضاد لعملية نبع السلام لم يكن بالهيناً فقد استنفرت دول أوروبا والدول العربية جهودها للتنديد بالعملية، وحتى حلفاء تركيا أو شركائها الضامنين في سوريا (روسيا وإيران) لم ينتظروا طويلاً قبل أن يبدؤوا بإطلاق تصريحات تحمل رسائل سلبية ضد عملية نبع السلام، ولم يقف الأمر عند حدود التصريحات ولكن بدأت بعض الدول الأوروبية باتخاذ إجراءات معينة والتهديد بإجراءات أكبر مثل إعلان بعض الدول الأوروبية وقف بيع السلاح لتركيا، والسعي لإقرار بيان من مجلس الأمن يدين تركيا وغيرها من التحركات.
ولكن يبدو أن فترة الاستعداد والتحضير الطويلة التي مرت بها تركيا قبل الاقدام على العملية مكنتها من تجاوز أو استيعاب معظم هذه التحركات والتقليل من تبعاتها ، هذا بالاضافة إلى النشاط الاستثنائي للدبلوماسية التركية قبل وخلال العملية، أضف إلى ذلك أن العملية بالشكل الذي انطلقت عليه، لم تدم طويلاً قبل أن يعلن عن توقفها بعد توقيع الاتفاق التركي الأمريكي، وهو ما ألغى مبرر الجهات المناهضة للعملية للاستمرار في تحركاتها.
لقد كانت عملية نبع السلام تحديداً والمسألة السورية بشكل عام، اختباراً مهماً لتركيا وإمكاناتها وأدواتها الدبلوماسية والعسكرية للعب دور أكثر فاعلية بدل الدور التقليدي الذي يلخص عادة بالتنسيق بين الأطراف الدولية وتقديم عامل استقرار في المنطقة.
وبقدر ما يبدو -حتى الآن على الأقل- بأن خطوة نبع السلام الجريئة قد مثلت نصراً أو مكسباً استراتيجياً لتركيا وربما تكون -إلى جانب خطوات أخرى عديدة سابقة مثل غصن الزيتون ودرع الفرات ومحادثات أستانة وسوتشي- قد أسست لدور تركيا الجديد في المنطقة والعالم، ولكن على الصعيد الميداني فلا يزال هناك الكثير من الغموض الذي يكتنف الواقع الجديد على الأرض ومآلات المسألة السورية.
لاشك أن ميليشيات YPG قد اضطرت للانسحاب من منطقة واسعة على الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا، وأن عدداً غير قليل من قيادات وعناصر هذه الميليشيات قد تم (تحييدهم) بطريقة أو بأخرى خلال عملية نبع السلام أو خلال التحركات التي تلتها، ولا شك أن تركيا خلال المحادثات مع الولايات المتحدة والمحادثات التي تلتها مع روسيا قد تمكنت أخيراً من طرح ومناقشة قضايا مهمة وحساسة بالنسبة لها تؤسس لدورها المستقبلي في المنطقة والعالم، بمستوى عال من الجدية والندية وهو أمر كانت تطمح إليه منذ زمن.
أما على الصعيد الميداني فإن مساحة تواجد وسيطرة الجيش الوطني والقوات التركية لاتزال محدودة بالنسبة للمساحة التي كان من المفترض أن تسيطر عليها هذه القوات من خلال نبع السلام أو بحكم الاتفاقات التي تم التوصل إليها مع الجانبين الروسي والأمريكي، وبالرغم من الزخم الكبير الذي رافق العملية والاستعداد العسكري الطويل الذي سبقها إلا أن الأيام الأولى للعملية اقتصرت على منطقة ضيقة (نسبياً) ولم تتجاوزها حتى الآن، وهي المنطقة المحصورة بين رأس العين وتل أبيض (عرضها 100 كم)، وهي بطبيعة الحال لا تختلف كثيراً في عرضها أو عمقها عن المساحة التي عرضت الولايات المتحدة على الجانب التركي التمركز فيها مقابل انسحاب طوعي لميليشيات “قسد” قبيل بدء عملية نبع السلام بأيام.
وبالمقابل فيبدو أن انكفاء ميليشيات YPG -ومن في حكمها- وتقلص مناطق سيطرتها قد رافقه تمدد لطرف آخر وهو النظام في سوريا، الذي استعاد السيطرة على مدن ومناطق مهمة كان قد فقد سيطرته عليها منذ عدة سنين مثل منبج وكوباني والحسكة غيرها.
كما أن طرفاً آخر وهو الولايات المتحدة الأميركية، اعتبر نبع السلام وما نتج عنها من انسحاب لميليشيا (قسد) و YPG مبرراً للعودة والتموضع في منطقة شرق الفرات بل وللذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك عبر التصريح علانية بالسيطرة على حقول النفط والغاز وتحديد من يجب ومن لا يجب أن يستفيد منها.
هذا عدا عن تفعيل نموذج الشراكة الروسية التركية والدوريات الميدانية المشتركة في منطقة شرق الفرات، وهو ما يعني أن الطرف الروسي سيكون متواجداً في المنطقة على الجانبين -إن صح التعبير-، فهو موجود إلى جانب النظام وكل ما يقع تحت سيطرة النظام اليوم هو في حقيقته تحت السيطرة الروسية، وفي نفس الوقت هو شريك ميداني لتركيا والقوات التركية ويسيّر الدوريات المشتركة في مناطق وطرق معينة تم تحديدها بدقة خلال الاتفاق التركي الروسي وما تلاه من لقاءات ومشاورات على مختلف المستويات.
غير أن النقطة الأكثر ارباكاً للمتابعين والمحللين كانت تلك المتعلقة بتقبل تركيا لإعلان النظام سيطرته على المناطق التي تنسحب منها قسد من ناحية، وموافقتها على أن ينشر النظام عدداً من النقاط العسكرية على الحدود بين تركيا وسوريا من ناحية أخرى، هذا (الرضى) التركي عن تمدد النظام لا يبدو متسقاً والموقف الذي تعلنه تركيا باستمرار عن دور النظام الإجرامي وقتله للشعب السوري بالاضافة إلى أن حليف أو شريك تركيا في عملية نبع السلام (الجيش الوطني) إنما يمثل الذراع المسلح للمعارضة السورية والتي يتهمها النظام بالعمالة والتآمر والإرهاب، وقد سبق لهذا النظام الذي لا تعارض تركيا اليوم تمدده واستعادته السيطرة على مناطق جديدة من سوريا ، سبق لهذا النظام أن وجه ضربات عسكرية مباشرة إلى تركيا داخل أراضيها عدة مرات ، كما أسفرت بعض هجماته العسكرية داخل الأراضي السورية عن مقتل العديد من الجنود الأتراك ، عدا عن أن رئيس النظام بشار الأسد من النادر أن لا يتعرض لتركيا ورئيس تركيا بالنقد والاتهام في أي لقاء أو ظهور إعلامي له.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن تركيا وفي كل المناسبات التي ناقشت مستقبل شرق الفرات، مع مختلف الأطراف شددت ولازالت على ضرورة إنهاء الشكل التنظيمي للميليشيات المصنفة على قوائم الإرهاب لديها والمتواجدة في المنطقة وفي مقدمتها YPG، وعلى ضرورة أن تسند إلى تركيا مسؤولية إدارة المنطقة الآمنة المزمع تشكيلها في شرق الفرات، وضمان وحدة الأراضي السورية وسيادتها.
هذا الوضع المعقد والتموضع الغير واضح الابعاد، لمختلف الأطراف ربما يبرر استمرار عدم توقف المواجهات في منطقة “نبع السلام” شرق سورية حتى الآن، رغم سريان الاتفاق الموقع بين أنقرة وموسكو في سوتشي، والذي نص على انسحاب “قسد” لعمق 30 كيلومتراً، وانتشار قوات الأسد والشرطة الروسية في عدة مواقع حدودية، حيث تتركز الاشتباكات بالدرجة الأساس في موقعين: الأول في محيط بلدة تل تمر في ريف الحسكة، والآخر في محيط بلدة عين عيسى بريف الرقة الشمالي، واللذان يقعان على الأوتوستراد الدولي (M4)، إذ أن السيطرة على إحدى البلدتين (تل تمر أو عين عيسى) والطرق المؤدية إليهما، سيمنح المعارضة وتركيا القدرة على إنشاء علاقات تجارية واستيراد النفط وبعض المواد الخام من باقي مناطق سورية.
في كل الأحوال فإن الجانب التركي بالرغم من كل تعقيدات التموضعات الجديدة إلا أنه صرح علانية عن نيته بإبقاء المنطقة خارج سيطرة النظام -على غرار ما حصل في غصن الزيتون ودرع الفرات-، إلى أن يتم حل باقي الملفات العالقة مثل ملف إدلب ومصير العملية السياسية.
]]>استهدفت الطائرات الإسرائيلية في 12 نوفمبر\ تشرين الثاني 2019 منزلاً لآل أبو العطا في حي الشجاعية شرقي غزة. أعلنت إسرائيل أنها استهدفت بهاء أبو العطا، الذي وصفه الجيش الإسرائيلي في بيانه الذي أعلن فيه عن قتله بأنه من «نفذ عملياً معظم نشاطات حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، وكان بمثابة قنبلة موقوتة». وأكد نتنياهو أن قرار الاغتيال اتخذ بالإجماع في المجلس الوزاري الأمني. وبشكل متزامن أعلنت الحركة عن استهداف عضو مكتبها السياسي والقيادي أكرم العجوري، وهو ما لم تعلق عليه إسرائيل حتى الآن. تتهم الاستخبارات الإسرائيلية العجوري بلعب دور المنسق الرئيسي بين الحرس الثوري الإيراني والجناح العسكري للجهاد الإسلامي المعروف باسم سرايا القدس.
يرى أن «العملية ذات طابع سياسيّ انتخابي بحت» وأن «نتنياهو اختار هذا التوقيت لخدمة أغراض سياسية وحزبية خاصة به للخروج من أزماته السياسية». لكن تزامن العمليتين، واستهداف كوادر الجهاد الإسلامي تحديداً قد يعني أن دوافع العملية وخلفياتها أمنية، وأنها أكثر ارتباطاً بالمواجهة مع النفوذ الإيراني.
ركّزت إسرائيل في التصعيد الأخير على استهداف الجهاد الإسلامي في هذه المرحلة للضغط عليها واستنزافها وإجبارها على وقف عمليات إطلاق الصواريخ، التي حمّلت إسرائيل أبو العطا شخصياً مسؤوليته عنه. ويمكن فهم الضربات الإسرائيلية كنوع من العبث في الساحة الداخلية الفلسطينية، وإظهار حالة خلاف داخل الفصائل في ملفات التهدئة والحرب عبر إظهار حركة حماس في مظهر الباحث عن الهدنة، وحركة الجهاد في مظهر الراغب في «المقاومة». وهو ما دفع إسماعيل هنية للتصريح قائلاً: «يحاول قادة الاحتلال خلط الأوراق في محاولة يائسة لقطع الطريق على استعادة وحدتنا الوطنية خاصة في ظل الأجواء الإيجابية التي سادت ساحتنا الفلسطينية خلال الأيام الأخيرة».
ومن الناحية السياسية فإن طبيعة الضربات العسكرية والتلميحات الإسرائيلية الإعلامية تشير بوضوح إلى عدم الرغبة في مشاركة حماس في هذه الجولة من المواجهة، والتأكيد على أن الهدف محدد وله طبيعة اعتبارية، ولا يتعلق بجولة تصعيد جديدة أو حملة تستهدف حركة حماس. أي أن نتنياهو يريدها جولة عابرة، يحقق فيها إنجازاً أمنياً، ولا يتورط بإدخال إسرائيل في مواجهة مفتوحة أمام المقاومة الفلسطينية.
وسّعت إسرائيل دائرة استهدافها للنفوذ الإيراني والجماعات المرتبطة بها، ولم تعد تقصرها على سوريا بل امتدت لتشمل لبنان والعراق أيضًا، وهو ما يعني أنها تشمل قطاع غزة بالضرورة. وإذ يجب النظر إلى أهمية الاعتبارات السياسية الداخلية في إسرائيل، فإنه من غير الدقيق الاعتقاد بأن ما تفعله إسرائيل مرتبط كليًا بالأزمات الداخلية، وأن عمليات استهداف النفوذ الإيراني ستتوقف بعدها؛ فثمة توجه استراتيجي يوجه عمل المؤسسة الأمنية والعسكرية في إسرائيل. وعليه يمكن قراءة العملية الإسرائيلية الأخيرة في سياق المواجهة الإسرائيلية-الإيرانية غير المباشرة، وليس على أساس كونها جزءاً من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
]]>بتاريخ 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي توصل الطرفان (تركيا و ليبيا) إلى توقيع مذكرتي تفاهم تتعلق بالتعاون العسكري والأمني، وتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة بالدولتين في البحر المتوسط ، وجاءت هذه المذكرتين رداً من تركيا على اتفاق تم توقيعه بين كل من (مصر، اليونان ، قبرص الجنوبية وإسرائيل) حُدِّدت من خلاله المناطق الاقتصادية الخالصة بهم . والدول الأخيرة عند توقيعها الاتفاقية لم تأخذ بعين الاعتبار مصالح تركيا وقبرص الشمالية . بالإشارة إلى أن هذه المنطقة تحتوي على كميات كبيرة من الغاز والبترول كما أظهر المسح الجيولوجي الأمريكي. وفي 5 ديسمبر / كانون الأول الجاري صادق البرلمان التركي على المذكرتين ، وأقرتهما حكومة السراج في اليوم نفسه ، وتم أرسال المذكرتين إلى الأمم المتحدة لتسجيلهم واعتمادهم .
بتاريخ 24 ديسمبر/ كانون الأول الجاري طلب الرئيس التركي من البرلمان تفويضاً من أجل أرسال قوات لمساندة حكومة الوفاق التي يترأسها السراج . و بشكل أو fNovبأخر تستطيع أنقرة الحصول على تفويض بحكم أنَّ غالبية أعضاء البرلمان من الحزب الحاكم .
وفي تاريخ 26 ديسمبر/كانون الأول الجاري ، صرح مسؤول من حكومة فايز السراج ، أن ليبيا طلبت رسمياً من تركيا الحصول على دعم عسكري بري وجوي وبحري، لمواجهة قوات خليفة حفتر قائد ما يسمى الجيش الوطني الليبي ، وكان هذا الطلب متوقعاً من حكومة السراج بعد التوقيع على مذكرات التفاهم ، التي كانت تحمل في سطورها البدء في التعاون العسكري والأمني .
منذ بدء الثورة الليبية، أصبحت ليبيا ساحة للصراع بين الدول الإقليمية والكبرى . وكان أخرها التدخل الروسي ومن بعدها التركي فضلاً عن وجود تدخل عربي وخاصة من مصر والإمارات العربية المتحدة.
وهنا نسعى للإجابة عن الأسئلة التالية:
أصبحت ليبيا ساحة للصراعات الإقليمية ، بسبب إمكاناته الاقتصادية ، فضلاً عن اختلاف الأيديولوجيات بين أطراف الصراع ، البعض يقف في وجه الانتفاضات العربية، ويشجع القوى العسكرية المستبدة ، وطرف آخر يساند هذه الانتفاضات ويدعمها سياساً وعسكرياً .
تركيا: عززت علاقاتها مع حكومة الوفاق في طرابلس ، حيث تكمن المصالح التركية الاقتصادية الرئيسة. بتاريخ 8 أغسطس/ آب من العام الحالي قام وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو بزيارة إلى الجزائر ، أكد فيها على أهمية الجزائر، ودورها في حل الأزمة الليبية. وايضاً بتاريخ 25 ديسمبر / كانون الأول الجاري قام الرئيس التركي بزيارة مفاجئة الى تونس ناقش فيها مع الرئيس التونسي الخطوات المحتملة لتحقيق وقف لإطلاق النار في ليبيا. وبهذا استطاعت أنقرة حشد دعم دولتين مجاورتين في الجانب الشرقي من ليبيا ( تونس ، الجزائر ). وتسعى تركيا من تدخلها في ليبيا لتحقيق عدد من الأهداف وأهمها :
مصر: بدأ التدخل المصري في ليبيا إلى جانب قوات حفتر عام 2014 ، وترجم هذا التدخل ببناء قاعدة عسكرية في ليبيا بمشاركة الإمارات العربية المتحدة . وينبع دعمها من مصالح أمنية وأيديولوجية . حفتر والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ينحدران من أيديولوجية عسكرية مشتركة، باعتبارها التهديد الوحيد للأحزاب الإسلامية . و تسعى للحفاظ على إمدادات البترول المدعوم من ليبيا ، الذي تعتمد عليه منذ حرب الخليج الأولى . مصر ترى أن هزيمتها في ليبيا ، هي خسارة لمصالحها الاقتصادية ، والأيديولوجية.
الإمارات: منذ انطلاق الانتفاضة في الدول العربية وضعت أبوظبي نفسها في طليعة الدول الإقليمية لمواجهة هذه الانتفاضات ، وخاصة أن هذه الانتفاضات أفرزت وصول أحزاب إسلامية سياسية إلى سدة الحكم . ووقفت إلى جانب مصر في محاربة الأحزاب الإسلامية، ودعم الشخصيات العسكرية الاستبدادية للوصول الى الحكم . وتنظر إلى ليبيا على أنها ساحة رئيسية في هذا الصراع .
كما دعمت أبو ظبي حفتر اعلامياً، عبر محطاتها التلفزيونية، والمواقع الإخبارية كآلة دعائية من أجل تعزيز صورته، وتوليد الدعم الشعبي، وتشويه صورة خصومه، وهو نفسه الدور الذي تلعبه المملكة العربية السعودية في دعم حفتر مالياً واعلامياً. وتسعى الإمارات إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة من عملية إعادة الإعمار في ليبيا .
روسيا: تسعى روسيا الى تثبيت نقاط عسكرية لها على ساحل البحر المتوسط ، مما يعزز موقعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ويجعلها أكثر قدرة على المنافسة والمراوغة ضد حلف الناتو، الذي يعمل على تمكين الأنظمة الدفاعية لدول بحر البلطيق المتاخمة لها. تسعى موسكو أن يكون لها دور في التأثير على البترول الليبي، التي تعتمد عليها الدول الأوروبية كمصدر لتنويع مصادرها .
وقدمت روسيا الدعم السياسي لقوات حفتر عند استخدامها حق النقض الفيتو ضد اصدار بيان لمجلس الأمن الدولي يدين فيه عملياته على طرابلس. بالإضافة لدعمه مالياً عن طريق طباعة العملة الليبية في أراضيها .
تسعى روسيا للتدخل في ليبيا لتحقيق أقصى حد من الاستثمار. واستطاعت أن تكون حاسمة في نجاحات حفتر.
الولايات المتحدة الامريكية: لم يلحظ منها موقف واضح من الصراع في ليبيا . لكنها حققت مصالحها الأساسية، في مكافحة الإرهاب حين كان لها الدور الأبرز في ضرب داعش في مدينة سرت، بالإضافة لعدم تعطيل تصدير البترول إلى الأسواق الدولية. ولعبت أبو ظبي والقاهرة دوراً كبيراً لدعم حفتر في الولايات المتحدة الامريكية، وروجت تلك الدول له على أنه يحارب “مجموعات ارهابية” في طرابلس.
بعد طلب رسمي من حكومة الوفاق المعترف بها دولياً بتدخل القوات التركية (برياً، جوياً، بحرياً )، لتقديم الدعم لازم لها، سيُقابل هذا الطلب دعماً لقوات حفتر من قبل الإمارات العربية المتحدة ، مصر وفرنسا ، بالإضافة إلى الدعم الروسي، ومن شأن ذلك أن يخلق تصعيداً أكبر. لأن الأطراف المتصارعة ستسعى إلى تحقيق نصر عسكري .
ووفقاً لتقارير، قدمت أبو ظبي إلى قوات حفتر دعماً عسكرياً كبيراً ، حيث مدتهُ بطائرات عسكرية متطورة ، بالإضافة إلى الأسلحة والذخائر، ودعمته في بناء قواعد عسكرية، فضلاً عن محاولاتها السياسية في إسقاط الشرعية عن حكومة الوفاق. وبحسب تقارير، منعت أبو ظبي سيطرة حكومة الوفاق على الهلال النفطي، من خلال تكليفها لشركة يملكها “أريك برنس” بتشغيل سرب من الطائرات للحفاظ على التفوق الميداني لقوات حفتر . و حسب تقارير منتشرة على نطاق واسع، فإن روسيا تقدم مساعدات عسكرية إلى قوات حفتر، من خلال مستشارين عسكريين، إضافة إلى التدريب، و صيانة الأسلحة الروسية.
أما مصر قدمت دعماً سياسياً وعسكرياً، وتشارك إلى جانب قوات حفتر من خلال ضربات جوية على مواقع في طرابلس ، بالإضافة إلى الدعم العسكري اللوجستي من أسلحة وذخائر.
وهناك دعم فرنسي ( مالي، عسكري، إعلامي) لقوات حفتر. ولكن لا يوجد إجماع أوروبي لذلك الدعم، حيث أن الدول الأوروبية تدرك أنهُ من الممكن أن تتحول التدخلات الأجنبية في ليبيا إلى أزمة مستعصية يصعب حلها ، كما الوضع في سوريا.
عند توقيع تركيا مذكرتي التفاهم مع ليبيا، أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن المذكرات “قد تعطل الاستعدادات لعقد اجتماع دولي حول تسوية ليبية من المقرر عقدها في برلين في وقت لاحق”. لكن من الممكن أن نشهد صفقات بين روسيا وتركيا، في الملف الليبي. على الرغم من وجود التباينات بين الطرفين. إلا أن العلاقات القائمة بين الطرفين تحكمها المنافع الاقتصادية المتبادلة . إذ أن روسيا تحتاج لتركيا من أجل تصدير الغاز إلى أوروبا، سيما بعد تدهور العلاقات مع أوكرانيا، التي كانت تمثل الجسر الذي تعبر منهُ خطوط الغاز إلى أوروبا . تركيا التي تسعى لتحقيق مكانة دولية، وحماية مصالحها في البحر المتوسط، سوف تضغط على روسيا أكثر في ليبيا، مما يحقق لها مجال أوسع للتمركز . لذلك من الممكن أن نشاهد سيناريو توافق تركي روسي.
بهذا السيناريو: يتم فرض عقوبات اقتصادية من قبل دول الاتحاد الأوروبي، و الولايات المتحدة الأمريكية ، على أنقرة . من الممكن أن تسعى دول الاتحاد الأوروبي، القاهرة، أبو ظبي و الرياض في إقناع واشنطن بالضغط على أنقرة . لأن أي تصعيد في ليبيا سيؤدي لتهديد أمني لدول الاتحاد ، ستصبح أكثر عرضةً لعمليات الهجرة. والأهم من ذلك لمنع تأثر السوق الأوروبية للطاقة ، التي تعتمد بنسبة جيدة على البترول المستورد من ليبيا .
على الرغم من الدعم العسكري المقدم سابقاً من الدول الإقليمية والدولية الى أطراف الصراع المحلية، إلا أنهُ من المحتمل أن يكون الدعم العسكري في الأيام القادمة أكبر، وخاصة من الاطراف التي تدعم حفتر، لتحقيق مكاسب عسكرية على الأرض، ويجبر حكومة الوفاق الجلوس على طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة ، قبل انعقاد مؤتمر برلين، الذي تنظمه ألمانيا لاحتواء الازمة الليبية .
تشهد الساحة الليبية تزاحم لمصالح الدول الإقليمية والدولية، ويطفو على السطح المصالح الاقتصادية المتمثلة ، باحتياطات البترول و الغاز، وإعادة الاعمار، كمصالح مشتركة لجميع أطراف الصراع . ومن المحتمل أن نشهد تصعيد عسكري، بعد الطلب الرسمي من حكومة الوفاق -المعترف بها دولياً- من أنقرة للمشاركة في العمليات العسكرية ضد قوات حفتر. لأن التدخل التركي عسكرياً سيتبعه دعم أكبر لقوات حفتر من الأطراف الأخرى. هذا التصعيد سيوسع دائرة الصراع، و يقوض أي عملية سياسية ، و سيشكل تهديداً أمنياً على ليبيا ، ولجيرانها الإقليمين، مصر، تونس والجزائر . بالإضافة لنتائج سلبية على دول الاتحاد الأوربي، حيث ستصبح أكثر عرضة لعمليات الهجرة الغير شرعية، الأمر الذي سيدفعها إلى مزيد من التدخل، لحماية أمنها، وحماية التدفقات النفطية، التي من الممكن أن توُقف بسبب ارتفاع وتيرة الصراع .
و قد نشهد عقوبات اقتصادية من دول الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية على تركيا، وخاصةً أن أبوظبي ، القاهرة ٬ وباريس التي تسعى إلى دعم موقف خليفة حفتر سياسياً في امريكا. في المقابل قد نشهد صفقة بين الطرف التركي والروسي حماية لمصالحهم الاستراتيجية. إن تعزيز النفوذ التركي وتسارع التدخل الروسي سوف يسهم في أضعاف تأثير دول الاتحاد الأوروبي في البحر المتوسط .
]]>