Site icon مركز الأناضول لدراسات الشرق الأدنى

تركيا بعيون إسرائيلية | يونيو 2021

تقييم عام لشهر يونيو

يبدو أن تحسين العلاقات الإسرائيلية التركية قد رفعت عن الطاولة مرة أخرى بعد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مع أنها بدت وكأنها على وشك التعافي في الأشهر الماضية. وليس هذا بمستغرب؛ إذ يلاحظ أن البلدين أوقفا سعيهما لتحسين العلاقات بعد أحداث مختلفة عند تدقيق النظر في التاريخ الحديث للعلاقات بين البلدين.

كانت الخطوات الأولى لتطبيع العلاقات الثنائية قد اتخذت في عام 2013. غير أن العلاقات لم تشهد تقدما بسبب أحداث غيزي باركي والانقلاب العسكري بقيادة السيسي. وبعد أن بدأت العلاقات في التحسن وعين كلا البلدين سفيرا في عام 2016، انقطعت العلاقات مرة أخرى في عام 2018 مع اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل والتطورات التي تبعتها.

لقد اكتسبت العلاقات مع إسرائيل أهمية استراتيجية مع الصراعات الأخيرة، وخاصة في شرق البحر الأبيض المتوسط. لذلك تم اتخاذ خطوات مختلفة لتحسين العلاقات الجارية على المستوى الاستخباراتي والتجاري. غير أن العلاقات ساءت مرة أخرى بعد الأحداث الأخيرة.

كانت التحليلات التي نُشرت في السنوات السابقة تقيم حجم التجارة المتنامي بين البلدين كعلامة إيجابية في سياق العلاقات الثنائية رغم التوترات السياسية وتذبذب العلاقات. غير أن المنع الذي فرض على مشاركة شركة يلبورت في مناقصة ميناء حيفا قد يكون إشارة على أن التوتر السياسي بين البلدين بدأ ينعكس على العلاقات الاقتصادية.

وبما أن الشركة المنافسة في العطاء مملوكة لأمير دبي، يمكن تقييم اختيارها علامة على رغبة إسرائيل في استبدال الإمارات بتركيا في الفترة الجديدة. وقد حاولتُ تحديد القطاعات التي يمكن أن تكون فيها الإمارات العربية المتحدة بديلا عن تركيا في حال حدث ذلك، بناء على بيانات التجارة لعام 2019 الصادرة عن مرصد التعقيد الاقتصادي.

مجموعة المنتجاتصادرات تركيا في 2019(مليار دولار)النسبة المئوية لحصة مجموعة المنتجات في صادرات 2019صادرات تركيا إلى إسرائيل (مليار دولار)النسبة المئوية لحصة مجموعة المنتجات في صادرات تركيا إلى إسرائيل في 2019النسبة المئوية لحصة الصادرات إلى إسرائيل من إجمالي صادرات نفس المجموعة
المعادن24,2%12,941.11%25,05%4,58
المواصلات30,3%16,20,724%16,34%2,38
المنسوجات29,7%15,80,46%10,38%1,54
الآلات28,6%15,290,436%9,84%1,52
البلاستيك والمطاط9,8%5,240,32%7,22%3,26
المعادن الثمينة13,3%70,144%3,25%1,08
المجموع187%1004,43%2,36%2,36
بيانات صادرات تركيا إلى إسرائيل في عام 2019

مجموعة المنتجاتصادرات الإمارات في 2019(مليار دولار)النسبة المئوية لحصة مجموعة المنتجات في صادرات 2019حجم الصادرات في 2014 – حجم الصادرات في 2019(النمو بين 2014 و2019)(مليار دولار)النمو بين 2014-2019/ حجم صادرات تركيا إلى إسرائيل في 2019إجمالي صادرات الإمارات في 2019/ إجمالي صادرات تركيا في 2019
المعادن17%6,851,51,350,702
المواصلات12,1%4,870,20,2760,399
المنسوجات29,7%1,530,831,8040,127
الآلات28,6%13,2216,437,6141,146
البلاستيك والمطاط9,8%3,291,85,6250,832
المعادن الثمينة13,3%18,0610,270,8333,368
بيانات صادرات الإمارات إلى إسرائيل في عام 2019

عند إعادة النظر في الجدول، نرى أن المعادن (الحديد والصلب والنحاس والألمنيوم وما إلى ذلك) تمثل أكبر مجموعة منتجات تصدرها تركيا إلى إسرائيل وهي بقيمة 1.1 مليار دولار. فيما يبلغ إجمالي صادرات الإمارات في نفس القطاع 0.7 من إجمالي صادرات تركيا. وبعبارة أخرى، فإن حجم صادرات تركيا أعلى. وعلى الناحية الأخرى شهدت صادرات الإمارات في مجموعة المعادن زيادة قدرها 1.5 مليار دولار في فترة خمس سنوات من 2014 إلى 2019. ويتضح من الجدول أن هذا الرقم يساوي 1.35 (1.1 مليار دولار) ضعف الصادرات التركية الإسرائيلية. أي أنه على الرغم من أن تركيا أكثر تقدما في صادرات المعادن إلى إسرائيل وفقا للإحصاءات، إلا أنه ليس من الصعب على الإمارات أن تغطي هذه الفجوة.

غير أن تركيا تظهر تقدما ملحوظا في قطاع النقل والمنسوجات. لذلك، يمكننا أن نتوقع استمرار التجارة بين إسرائيل وتركيا في هذا القطاع. أما في مجموعتي الآلات والمعادن الثمينة، فإننا نرى أن حجم صادرات الإمارات العربية المتحدة أعلى من تركيا، وأنها حققت نموا في هذه المجالات على التوالي 37 و70 ضعف حجم صادرات تركيا إلى إسرائيل في نفس المجالات خلال فترة خمس سنوات. لذلك يمكننا القول إنه من الأسهل أن تميل إسرائيل إلى استيراد المنتجات من الإمارات في هذه القطاعات.

فيما لا يبدو أن منع تركيا من المشاركة في مناقصة الميناء وكأنها عقوبة وخاصة بتركيا. فقد حدث مثل ذلك مع شركات أخرى من دول مختلفة ـ وخاصة من الصين ـ وتم منعهم بسبب مخاوف أمنية مماثلة. لذلك، من الصعب القول بأن الخط الاقتصادي القديم بين أنقرة وتل أبيب سينهار بسبب هذا الأمر وحده. أما عن قطع العلاقات تماما وتدمير جسر التعاون الاقتصادي بين البلدين الذي يتطور باطراد، فسيكون قرارا بالغ الخطورة.

من ناحية أخرى، من المعروف أن بينيت ولابيد، أحد أهم قادة الحكومة الحالية، كانا يتبنيان موقفا وخطابا قاسيا ضد تركيا في عهد نتنياهو. وتُظهر تصريحات الزعيمين في أزمة مافي مرمرة وتداعياتها، أنهما مقتنعان بأن الصداقة التركية الإسرائيلية قد انتهت وأنها بلغت مرحلة اللاعودة. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي يائير لابيد في مقال له في صحيفة “معاريف” في عام 2017: “كانت لدينا علاقات جيدة، والآن انتهت. يجب على إسرائيل أن تدرك هذا وتتصرف وفقا لذلك”، وعرض الضغط على تركيا من خلال ما يسمى الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، والأكراد في سوريا، وخلق ضغوط دولية لإعادة النظر في عضوية تركيا في الناتو.

وقد وجه رئيس الوزراء الحالي، ووزير التربية والتعليم آنذاك، نفتالي بينيت، تهديدات مماثلة في أعقاب الاتفاقية الموقعة بين البلدين بعد حادثة مافي مرمرة في عام 2018. غير أنه بعد اتفاقية مافي مرمرة، نرى أن كلا الرئيسين أشارا في تصريحاتهما إلى أهمية العلاقات مع تركيا في سياق مصالح الأمن القومي لإسرائيل. وقال يائير لابيد فيما يتعلق بالاتفاقية: “من الصعب ابتلاعها، لكن مصالح الأمن القومي لها الأولوية في مثل هذه الحالات”. فيما صرح بينيت في تصريحاته بأن المصالحة مع تركيا مهمة من حيث مصالح إسرائيل في الظروف الحالية مع أنه وصف الاتفاقية بأنها خطأ فادح وصوت ضدها مع أييليت شاكيد. ويشير لابيد في مقاله المنشور في صحيفة “معاريف” إلى أن اتخاذ تركيا مكانها إلى جانب إيران وقطر في السياسة الخارجية وانخراطها في الشؤون الداخلية لإسرائيل من خلال الحركات الإسلامية في فلسطين تشكل الأسباب الرئيسية لعدم تحسن العلاقات مع تركيا. وهو يرى أن دواعي التعاون العسكري والأمني آخذة في التلاشي​​، بعد أن كانت تشكل الركائز الأساسية للعلاقات الثنائية في الماضي.

وبالنظر إلى كل هذا، ليس من الصعب التكهن بأن الرئيسين يملكان تصورا عن تركيا بأنها تتحول شيئا فشيئا إلى نظام إسلامي في عهد رجب طيب أردوغان وتبتعد عن الديمقراطية؛ إذ يؤكد كلاهما على هذا في تصريحاتهما. وهذا ما يدفعهم إلى الاعتقاد بأنه يصعب الوثوق بتركيا في الأمور الاستراتيجية. وفي هذا، يصف بينيت تركيا بأنها “غارقة حتى أذنيها في إرهاب حماس”، ويقول يائير لابيد أن تركيا تصبح أكثر عثمانية وإسلامية وعدوانية يوما بعد يوم، ويؤكد أن إسرائيل لم يعد بإمكانها الوثوق بتركيا فيما يتعلق بالتعاون الأمني.

التقارير الإخبارية والمذكرات الإعلامية الصادرة حول تركيا

1: كان ميناء حيفا قد جلب إسرائيل والولايات المتحدة ضد بعضهما البعض في السابق.

الخلاصة

لا تبشر التطورات هذا الشهر إلا بقليل من الإيجابية فيما يتعلق بالعلاقات التركية الإسرائيلية. فليس هناك غير دخول منصور عباس الذي يعتبر إسلاميا، شريكا في الحكومة الإسرائيلية على الجانب الإيجابي. لكننا نعلم أنه يتبع سياسة براغماتية أيضا وأن العرب الإسرائيليين هم أولويته. وعلى الناحية الأخرى، قد يؤدي فتح إسرائيل قنوات الاتصال مع تركيا أو قطر إلى ردود فعل غير متوقعة في كل من الرأي العام الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية. الأمر الذي يعرض المكاسب المؤمل تحقيقها من كل هذا، للخطر.

ومن الملاحظ أن تطور العلاقات بين أنقرة وتل أبيب يتزامن مع إبعاد القضية الفلسطينية عن مركز العلاقات. وفي هذا، من الممكن أن نرى عند النظر في تاريخ العلاقات ومن التطورات الحالية، أن اختلاف التعاطي مع القضية الفلسطينية كانت العقبة الرئيسي أمام تطوير العلاقات الثنائية بين أنقرة وتل أبيب. وبالنظر إلى أن الرئيس أردوغان وصف القضية الفلسطينية مرارا وتكرارا بأنها “خطنا الأحمر”، يمكننا القول بإن العلاقات التركية الإسرائيلية ستستمر حاليا على خط التعاون التجاري والاستخباراتي.