هل ستُحدث المظاهرات تغييراً في العراق؟

تعرضت القنصلية الإيرانية في التاسع من شهر آذار بمدينة كربلاء لهجوم من قبل المتظاهرين وقاموا بإشعال النار بجدران القنصلية. ونفذ المتظاهرون هذا الهجوم اعتراضاً على الفساد والنفوذ الإيراني في العراق، ورداً على حادثة اغتيال منسق المظاهرات في كربلاء “إيهاب الوزني” الذي لم يعرف فاعلها حتى الآن.
لم تكن حادثة اغتيال إيهاب الوزني هي الوحيدة في العراق، فقد وقعت عدة هجمات لم يتم التعرف على فاعلها منذ بدء المظاهرات في أكتوبر/تشرين الأول 2019، فعلى سبيل المثال، في كانون الأول/ ديسمبر 2019 نجا الوزني من حادثة اغتيال الناشط البارز فاهم الطائي. إذ كان هذان الشخصان هما الناشطان الرئيسيان في المظاهرات التي اندلعت ضد الفساد والتدخل الإيراني في العراق.
لم تقتصر تلك الهجمات على هذا فحسب، فقد قُتِل أيضاً هشام الهاشمي في 6 تموز/يوليو 2020، وهو أحد المحللين العراقيين المشهورين عالمياً، كما اغتيل نشطاء بارزون آخرون مثل تحسين أسامة وريهام يعقوب في آب/أغسطس 2020، وسجلت تلك الاغتيالات ضد مجهول. ولم يعلن عن منفذي تلك الهجمات حتى الآن.
بعد استقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي في كانون الأول/ديسمبر 2019، تحدت المظاهرات نفوذ القوى والأحزاب السياسية المدعومة من إيران. ويُعتقد أن هذه القوى كان لها دور في اغتيال الوزني وانسحاب بعض مرشحي حزب “بيارق الخير” وهو أحد الأحزاب السياسية الداعمة للمتظاهرين.
واتهمت جماعة كتائب حزب الله الشيعية المرتبطة بإيران سفارتي المملكة المتحدة في بغداد وبيروت بالتحريض على التظاهرات بعد اغتيال الوزني.
تم تأجيل الانتخابات البرلمانية العراقية إلى تشرين الأول/ أكتوبر 2021، لكن مع اقتراب موعد الانتخابات فإن التوترات تتصاعد بين المتظاهرين والأحزاب السياسية التقليدية وبين الجماعات المرتبطة بإيران.
وأعرب المتظاهرون الذين حصلوا على دعم خفي من بعض علماء الشيعة عن معارضتهم لتأثير إيران الأيديولوجي والسياسي في العراق، وطالبوا بالإصلاحات السياسية والاقتصادية داخل البلاد.
كما صرح علي السيستاني وهو أحد كبار علماء الشيعة بأنه “لا يمكن لأي فرد أو جماعة، ولا فاعل إقليمي أو عالمي، قمع رغبات العراقيين”. ومن هذا المنطلق سيكون من المفيد التطرق إلى الأسباب التي تغذي الغضب تجاه إيران في العراق.
تعرض المتظاهرون لعنف مستمر من قبل الميليشيات المرتبطة بإيران، ولم تستطع الحكومات المتعاقبة في العراق الضغط على تلك الميليشيات. وأعلنت الأمم المتحدة أنه منذ تشرين الأول / أكتوبر 2019، تم قتل المئات من المتظاهرين وجرح واختطاف الآلاف منهم.
وطالب المتظاهرون أيضاً بسنّ قانون انتخابي جديد من شأنه كسر احتكار الأحزاب السياسية التقليدية في البرلمان وتسهيل دخول المرشحين المستقلين والأحزاب الصغيرة والحديثة إلى البرلمان. وفي هذا الصدد، أدلى السيستاني بتصريحات تتعلق باعتماد قانون انتخابي جديد، والذي تم قبوله لاحقاً. وأعطت قوانين الانتخابات العراقية السابقة للأحزاب والائتلافات الكبيرة والمتوسطة ميزة للمرشحين المستقلين والأحزاب الصغيرة، بينما قسَّم القانون الانتخابي الجديد العراق إلى 83 دائرة انتخابية.
من المتوقع مبدئيًا أن يؤدي تضاعف الدوائر الانتخابية في العراق إلى خلق بيئة أكثر تنافسية، لذلك فإن من المنتظر أن تحصل الأحزاب السياسية الصغيرة على موقع أكثر فائدة من حيث المنافسة في الانتخابات. وعلى الرغم من ذلك، فإن قانون الانتخابات الجديد سيسمح لبعض الأحزاب السياسية القوية بالحفاظ على نفوذها وسيمكنها من الفوز بالانتخابات.
يسمح قانون الانتخابات الجديد للمرشحين المستقلين والأحزاب السياسية الصغيرة بالتنافس في الوضع السياسي والأمني ​​المعتاد، إلا أنه من الناحية العملية فمن المتوقع أن يعطي ميزة للأحزاب ذات القاعدة المحلية القوية، مثل التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر. كما يسمح للأحزاب السياسية التقليدية ترشيح أفراد ذات خلفية قبلية أو دينية تمتلك قاعدة اجتماعية. وكان مثل هؤلاء الأفراد أداة للأحزاب السياسية التقليدية للفوز في الانتخابات مقابل إعطائهم بعض الامتيازات. من الواضح أن قانون الانتخابات الجديد لن يغير من الوضع السياسي للبلاد، حيث سيسمح لبعض مرشحي الأحزاب بتبادل المناصب في الدولة مع القبائل أو الشخصيات الدينية ذوي القاعدة المحلية القوية.
يؤثر عدم الاستقرار الأمني في العراق بشكل سلبي على التظاهرات القائمة ضد النفوذ الإيراني في العراق، وهذا ناتج عن حقيقة وجود بعض الميليشيات المرتبطة بإيران والتي تعمل خارج إطار الدولة القانوني.
أدى مقتل سليماني وأبو مهدي المهندس، الذي كان القائد الفعلي لقوات الحشد الشعبي، إلى قيام فراغ يسعى قادة الميليشيات جاهدين لملئه. وحتى الآن، فشل خليفة المهندس، المدعو أبو فدك المحمداوي، في ملء الفراغ، وبذلك فتح المجال أمام أشخاص كالخزعلي لمحاولة اتخاذهم دور قيادي بين الميليشيات المدعومة من إيران.
بالإضافة إلى ذلك، فإن دعم كتائب السلام للصدر، ودعم بعض الجماعات المسلحة لتحالف الفتح يؤدي إلى انتهاك قانون الأحزاب السياسية، ويمكن لهذه الأحزاب استخدام هذه الجماعات المسلحة للتأثير على نتائج الانتخابات.
أخيرًا، يمنع نظام التقسيم العرقي والديني في العراق المتظاهرين من الحصول على مكاسب ونفوذ سياسية، لأنه يُبقي الوضع السياسي الذي يهيمن على النخبة السياسية قائم على ما هو عليه. كما يساعد هذا الوضع لدعم وترسيخ استراتيجية إيران المتمثلة في ترك العراق ضعيفًا.
تعهد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بإعادة ميليشيات الحشد الشعبي السابقة للخدمة في اجتماع مع نواب يمثلون تحالف فتح. في حين أدخلت حكومة الكاظمي تخصيصات في الميزانية لعودة أعضاء الحشد الشعبي السابقين في قانون الموازنة، لكن مجلس النواب ألغى تلك المخصصات لخفض الإنفاق. ونتيجة لذلك، فإن حالة عدم الاستقرار السياسي وانعدام الأمن في العراق ستمنع المتظاهرين من تحدي الأحزاب السياسية التقليدية ونفوذ إيران.